قضية علامات الساعة، وقبل الخوض في حُجيتها، هي قضية تفتقد إلى الحكمة والمغزى ناهيك عن عدم اتكائها على أي دليل نقلي قطعي أو عقلي منطقي.
ونقصد بالدليل النقلي القطعي، القرآن الكريم، لأننا نتكلم عن مجال الغيبيات الذي اختص به الله سبحانه وتعالى، حين قال :
ناهيك عن آيات تخص الساعة موضوع كلامنا الحالي، وانفرادالله عز وجل بعلمها كآية:
إِنَّ ٱللَّهَ عِندَهُۥ عِلْمُ ٱلسَّاعَةِ
وسيأتي ذكر الآيات القرآنية التي تقطع باليقين أن علامات الساعة هي من الغيبيات التي لا يعلمها أحد، ولا يحق له ذلك حتى نبينا ﷺ، حينما خاطب قومه في قوله تعالى :
سورة محمد.
أما علامات الساعة فهي اختراع بشري، وهي، بالرجوع إلى الموروث الإسلامي، تنقسم إلى قسمين اثنين:
علامات الساعة الصغرى والعلامات الكبرى.
في الموروث الإسلامي، أكثر السلف يعتبرون علامات الساعة كأشراط الساعة، وأن لها نفس المعنى، فهم يقولون بأن العلامات أو الأشراط هي مقدمات أو بوادر لقيام الساعة، أي ستحصل قبل مدة زمنية كبيرة أو صغيرة بحسب نوع هذه العلامات صغرى أم كبرى، وهذا ما نقوم بدحضه ونفيه في موضوعنا الحالي.
فأشراط جمع شرط، والشرط في الفقه ما لا يتم إلا به، وهو ما يدل على الشيء أيضا، وهذا بالضبط ما المعنى الذي أتى به ذكر "أشراط الساعة" في قوله عز وجل :
سورة محمد.
أي جاء ما يدل عليها، وهذا قولنا في أشراط الساعة التي نرى أنها تدل على قيام الساعة، أي هي بكل بساطة الظواهر التي ستقع حينئذ والتي سنعرف بها أن الساعة قامت، وهاته الأشراط أو بعضها أتت بها آيات عديدة، منها ما جاء في أوائل سورة الانشقاق :
أما جل أو كل ما ذكر في الموروث حول علامات الساعة، فهو مختلق، لأن القرآن ينكرها جملة وتفصيلا، وهو ضد السنة الإلهية التي تقتضي ألا تأتينا الساعة إلا بغتة وبدون سابق إنذار، كما تبين الآيات العديدة التي سوف نستدل بها لاحقا.
سوف نبدأ كلامنا الحالي بالتطرق إلى علامات الساعة الصغرى التي نراها من المضحكات التي لا تستحق منا غير فقرة مختصرة تسقطها بالضربة القاضية ومن الجولة الأولى (إن صح التعبير).
العلامات الصغرى :
يقسمها السلف إلى علامات وقعت وانقضت، وأخرى وقعت ولا تزال مستمرة، وأخرى لم تقع بعد !!!
مبدئيا، هذا الكلام لا يمت للعقل بصلة، فلا أدري أي علامات للساعة وقعت وانقضت ولم تقم الساعة بعد؟ وأي علامات مستمرة؟ وأصلا ما معنى أن تكون هناك علامات صغرى؟
لماذا أصلا سُميت علامات الساعة ؟ وما جدوى اعتبارها علامات ساعة صغرى مادامت يمكن أن تحدث في أي وقت الماضي والحاضر والمستقبل؟
يكفينا ذكر بعض العلامات مع نقدها لكي نبين ضعف هذا النوع من علامات الساعة ووهم صحتها :
- أول علامة صغرى يذكرها السلف، هي البعثة النبوية، ونسبة إلى حديث مزعوم روي عن النبي ﷺ نصه: "بُعثت والساعة كهاتين" وأشار إلى أصبعيه الإبهام والسبابة.
لا أدري كيف أمكن استيعاب أن بعثة النبي من علامات الساعة، خصوصا بعد قرون من وفاته ؟ وأي علامة هذه لم تعقبها الساعة إلى الآن وقد مر أكثر من أربعة عشر قرنا ؟
فهنا إما أن الحديث لم يقله النبي ﷺ، أو أن الحديث صحيح، والرسول أراد أن يفهم قومه ما فهمه من الآية الكريمة:
والتي تؤكد أن الساعة قريب حدوثها في كل وقت وحين، وهو دليل آخر أن النبي ﷺ لا يعلم وقتها وكان يترقبها وأراد أن يشرح بطريقته أن الساعة قريب قيامها وذلك بهدف الاستعداد لها.
- هناك علامة انشقاق القمر التي زعم السلف أنها وقعت إبان عصر الرسالة، وهكذا فهموا من الآية الكريمة:
ٱقْتَرَبَتِ ٱلسَّاعَةُ وَٱنشَقَّ ٱلْقَمَرُ
وقد قيل إن القمر انفلق إلى جزءين، كل جزء بجبل معين!! ولكن لم يذكروا لنا متى رجع إلى حالته الطبيعية!!! وهذا القول لا يدعمه دليل، وأما الآية فتتكلم عن انشقاق القمر إبان قيام الساعة، فهو إذن من أشراط الساعة.
- ثم هناك أحاديث مزعومة، ذكرت علامات صغرى للساعة من قبيل: موت النبي ﷺ، وفتح بيت المقدس، وغيرها من أمور حدثت ولا أعلم ما علاقتها بالساعة، وهل كل هذا الوقت الذي فات عن وقوعها لا يكفي لكي ننفيها جملة وتفصيلا !!!
- كما تم حشو بعض الأحداث العادية المستمرة في هذه العلامات، والتي هي من سنن الكون، كحدوث الفتن، وشهادة الزور، وظهور الجهل و....
في الحقيقة فنحن نستحيي من حصرها، لأن فيها من المضحك (كمشاركة المرأة زوجها في التجارة، وكثرة النساء وقلة الرجال))، والمخجل (ولادة الأمة ربتها)، والعادي جدا، إضافة إلى أنها تجاوزت المائة أو أكثر، وكل ذلك مختلق ولا أساس له.
وهنا سأتوقف عن الاستمرار في الكلام عن العلامات الصغرى، لأني كما قلت وكما توضح للقارء المتلقي، لم تستحق منا عناء كبيرا لنفيها نظرا لضعف منطقها وعدم ارتكازها على أي أساس عقلي متين، ولا نقلي صحيح.
وعموما ليس لعلامات الساعة الصغرى أية قيمة مادامت لا تنذر بوقوع الساعة بعد حين !!!!
العلامات الكبرى :
تقريبا ورد في الموروث عشر علامات كبرى للساعة، مثل الدجال، ونزول عيسى، وياجوج وماجوج والدخان، وطلوع الشمس من مغربها، وغيرها من أحداث ذكر بعضها القرآن كظواهر أي من أشراط الساعة كما وضحنا سابقا، كالدخان في قوله تعالى : ( فَٱرْتَقِبْ يَوْمَ تَأْتِى ٱلسَّمَآءُ بِدُخَانٍ مُّبِينٍ)، والبعض الآخر مختلق أو مأخوذ من الإسرائيليات كالدجال ورجوع النبي عيسى عليه السلام.
فيما يلي، سوف نبين بالدليل القاطع أن علامات الساعة الكبرى كما حاول أن يبينها السلف كمقدمات للساعة، لا دليل عليها، وأنها من الغيبيات، وأنه لا يمكن لأحد أن يعلم وقتها ولا أن يتوقع حدوثها مصداقا لقوله تعالى :
سورة الأعراف.
وهذه الآية جامعة شاملة تلخص خصائص الساعة، وتغنينا عن أي كلام مفصل، وتفيد قطعا بأن الساعة لا يمكن العلم بوقوعها لأن علمها عند الله، ولا يمكن معرفة علاماتها لا صغرى ولا كبرى ولا متوسطة، لأنه تعالى لا يُجليها لوقتها إلا هو، كما أنها لن تأخذ وقتا طويلا بل ولا حتى قصيرا لكي تقوم، لأنها ببساطة ستأتي بغتة. .
كان بالإمكان أن نكتفي بهذه الآية المُحكمة الواضحة ونُقفِل الموضوع تماما، ولكننا وإرضاء للمتعطش الذي لن يرتوي إلا إذا قمنا بإكثار الدلائل والحجج لنفي أي علم بهذه العلامات، فسنستمر في التحليل والتوضيح، ولو أن "البينة على من ادعى" كما تقول القاعدة التي جاء بها الهدي النبوي.
نستعرض فيما يلي الآيات القرآنية التي تطرقت لقيام الساعة، والتي في مجملها تدعم قولنا السابق وتفند المفهوم الشائع والمتداول لعلامات الساعة، كما فعلت الآية الكريمة السابق ذكرها ]الآية ﴿187﴾ من سورة الأعراف[ .
ذكرت كلمة "الساعة" 35 مرة في القرآن الكريم، ولعل ذكرها بهذا العدد الغير الضئيل، هو الاهتمام الكبير الذي أولاه سبحانه وتعالى لهذا الأمر والذي يدخل في صميم العقيدة، فالإيمان بقيام الساعة هو أمر ضروري للمسلم، كما أن كل ما يتعلق بها يجب التسليم به بالاعتماد حصريا على ما جاء في كتاب الله، وليس ما جاء في الأحاديث التي تطرقت لعلامات الساعة والتي حتى وإن صحت فهي في النهاية أحاديث آحاد ، وخبر الواحد لا يُحتج به في العقيدة عند الجمهور وعند أغلب المذاهب، والأمر الذي نتداوله من صميم العقيدة كما قلنا، وهذا دليل آخر ينضاف إلى الدلائل السابقة، وسينضاف إليه ما سنوضحه لاحقا بخصوص ما يدور في فلك الساعة.
بشكل عام، لما قمنا بتدبر الآيات القرآنية التي تتحدث عن الساعة، استطعنا استجلاء خمسة أسباب لذكرها:
- للتأكيد على قيام الساعة، وأن لا ريب في ذلك،
- بالإنذار والوعيد لمن ينكرها،
-للتأكيد بانفراده سبحانه وتعالى بعلمها،
- للتذكير بأنها تأتي بغتة وبصفة مفاجئة،
- لتعظيم شأنها وتضخيم حدوثها.
ثم قمنا بحصر ست خصائص للساعة :
1. لا تأتي الساعة إلا بغتة :
وقد تم تكرار ذلك في عشر آيات، منها الآية السابقة، وكالآية التالية:
سورة الزخرف.
كان بالإمكان ذكر آية واحدة فقط، ولكن الله كرر ذلك في كل هذه الآيات كتذكير وتأكيد لكل من يمكن أن ينسى أو يتناسى أن علم الساعة اختص به الله عز وجل وحده.
3. يجليها لوقتها :
كما قلنا سابقا وطبقا للآية ﴿187﴾ من سورة الأعراف، وخصوصا بدايتها :
ليس فقط عنده علم الساعة، فعبارة "يُجليها لوقتها"، هي توضح بالملموس أنه لا يمكن لأحد أن يعلم بعلامات الساعة، لأنها لن تُجلى إلا لوقتها، أي لن يستشعرها الناس أو بالأحرى لن يشعروا بها إلا حين وقوعها.
وقوله تعالى :
سورة الحج.
يبين أن الأمر كله سيقع فجأة، دون مقدمات، وهذا واضح من هول ما سيصيب الناس حينها، فلو كانت هناك علامات ومقدمات لما أصيب الناس بهذه الفتنة.
4. ثقلت في السماوات والأرض :
أي أن قيام الساعة حدث عظيم، وأنها تخص الأرض كما تخص السماوات السبع، وهذا تأكيد على أن كل ما خلق الله سيفنى، مصداقا لقوله تعالى :
سورة الرحمن.
5. لا يعلمها الرسول ﷺ :
من خصائص الساعة التي تعتبر الفيصل في قضيتنا هاته، وهي أن الرسول ﷺ لا يعلم شيئا عن الساعة لأنها من الغيب ولأن الله اختص بعلمها وحده.
والدليل ما جاء في نفس الآية ﴿187﴾ من سورة الأعراف بالذات في قوله تعالى :
"كأنك حفي عنها" أي كأنك عالم بها، وهو التفسير الصحيح الظاهر من سياق الآية، لأن عقبها أتت عبارة "قل إنما علمها عند الله".
لأن هناك تفسير شاذ يقول بأن النبي ﷺ بالغ في سؤال الله عنها حتى أخبره بها، وهذا طبعا لا علاقة له قطعا بسياق الآية.
وهذا ينفي أن يكون الرسول ﷺ على علم بها أو قد أخبر قومه بعلاماتها كما جاء في الموروث !!!!!
كذلك قوله تعالى :
سورة النازعات.
توضح بالملموس أن مهمة النبي ﷺ تنحصر في إنذار الناس بوقوعها، لا بإخبارهم بعلاماتها أو بأي شيء لا يعلمه أصلا.
وهذا ما أكدته بعض الأحاديث النبوية مثل الحديث الذي روى أن أحد الأعراب سأل الرسول ﷺ عن الساعة، فأجابه النبي ﷺ بقوله: ماذا أعددت لها ؟؟
وهذا الحديث يُستفاد منه أيضا أن النبي ﷺ لم يخبر الناس بعلامات الساعة بل كان يركز على الإنذار بها والتذكير بما يمكن أن نعد لها من أعمال صالحة.
6. سرعة وقوعها :
فسرها الجمهور على أن الله سبحانه وتعالى بحكم أنه أخفى الساعة عن كل من خلق من الملائكة والأنبياء والمرسلين، فهو يكاد يُخفيها حتى عن نفسه وذكر ذلك مجازا، وهذا في رأيي تفسير ممكن، ولكن رأيي أن معنى الآية وبالضبط عبارة "أكاد أخفيها" : أي بإمكانه عز وجل ألا يجعل أي إمكانية لملاحظة الظواهر التي سوف تقع وقت قيام الساعة، أو ما تُسمى أشراط الساعة، أي أن يقضي على الخلق قبل فناء الدنيا، أي مباشرة من الحياة الطبيعية إلى الفناء التام ثم الانتقال إلى يوم الحساب.
والدليل هو قوله :
لِتُجْزَىٰ كُلُّ نَفْسٍۭ بِمَا تَسْعَىٰ
أي لن تكون هناك فرصة لأي كان أن يتدارك ما قام به في الحياة الدنيا، أي ما سعى خلالها، إذ سوف يُجزى بما قدم قيد حياته قبل قيام الساعة.
ففي تلك الهنيهة (أي الوقت القصير) التي سوف تقوم فيها الساعة، لن ينفع أي كان توبته أو استغفاره، لأن المهلة انقضت، والساعة قامت.
في النهاية وبعد أن قدمنا دلائل واضحة وكافية، كل دليل هو حجة قائمة، يحق لنا أن نتساءل :
فلو افترضنا وجود علامات الساعة، فما الهدف من معرفتها كانت صغرى أم كبرى، إذا علمنا أنه لا يُقبل من أحد أي تراجع عما فعل ولا ينفع نفس إيمانها ؟؟ كما قال عز وجل :
وما جدواها إذا كان الإنسان طيلة مدة حياته يجب أن يظل مستعدا لهذه اللحظة لأنها قريب كما جاء في الآية السابق ذكرها ؟؟
أما إذا كان الهدف مثلا هو أن يرجع الكافر أو العاصي عما يفعله، فهذا يتناقض مع الآية السابقة، وحتى لو افترضنا ذلك، فسيكون من غير العدل أن يُتاح لمن يدرك هذه العلامات ما لا يمكن لمن لم يدركها !!، وهذا ليس فيه عدل بين العباد، وحاشا أن يكون ذلك صحيحا.
هذا ما وفقنى الله إليه، في قضية علامات الساعة التي تعتبر ككثير من المفاهيم التي أسست على ثقافة الرواية، ففيها الكلام المرسل، والكثير منه منقول إلينا من الإسرائيليات، وبعضه موضوع فيما مضى لتسلية العامة وإبعادها عن قضايا الأمة.
ولو لم تكن هذه القضية من صميم العقيدة لما قمت بهذه الدراسة مستنبطا الحجج والدلائل القاطعة من كتاب الله، في سبيل تنوير المسلمين وتطهير عقولهم من الدجل والخرافة.
والله أعلم .
** الكاتب : وديع كيتان **
لمشاهدة حلقة اليوتيوب الخاصة بالموضوع :
شارك برأيك .. وتذكر قول الله سبحانه وتعالى ((ما يلفظ من قول الا لديه رقيب عتيد))