تأتي هذا الدراسة للإجابة عن هذه الأسئلة وأخرى بطريقة علمية عقلانية ، والأهداف متعددة سوف نبين بعضها، والأهم هو أن نطمئن المسلم العامي أن ما يقوم به من صلاة من حيث عدد الأوقات والطريقة والعدد، هو صحيح لا لبس فيه، هذا من جهة، ومن جهة أخرى، ولكي نثبت للبعض أننا يمكن أن نتوافق مع من نختلف معهم في المنهج والفكر، كما يمكن أن نختلف مع من نوافقهم في الفكر والمنهج.
ما يسمى بالقرآنيين، وفي كل مرة أضطر لكي أعبر عن عدم موافقتي لهذا التصنيف، ولأذكر باستمرار أن كل من يؤمن بالقرآن فهو قرآني، وأنه يُستحسن وصفهم بمقاطعي الموروث الديني، فهم مارسوا قطيعة مع كل الموروث وتعاملوا مع القرآن الكريم ككتاب منزل على قوم معزولين عن كل العالم، قلت منذ بروز تلك الظاهرة، ونحن نستقبل طروحات بل شطحات ناتجة عن تدبر غير ناضج وتسرع طفولي لا يمت للعقلانية بصلة. مما يثير جعجعة فارغة، ومما يفسد على كل مجتهد مجدد عقلاني مشاريع جادة لتقويم الموروث، لأن المقاومون للتغيير سوف يضعون كل هذه الاجتهادات في سلة واحدة.
مبدئيا يجب الإقرار بأن تدبر القرآن وهو عمل حسن بل هو من أعظم الأعمال وأجلها، يمكن أن ينقلب إلى عمل سيء مذموم إذا لم يتم الخضوع لضوابط علمية ومنطقية، أو إذا تم تحريف الكلم عن مواضعه، أو إذا تم التلاعب بالألفاظ والمفردات القرآنية وإخضاعها للهوى والمزاج وتم تفسيرها على أساس ذلك بدون أي منهج علمي وعقلاني.
وهذه الأخطاء المنهجية، والمزالق المنطقية، هي التي خلقت سابقا أو ما عُرف قديما بالتفسيرات الباطنية التي سلكتها بعض الفرق كالإسماعيلية وغيرهم، وتكرر نفس الخطأ مع بعض الذين توهموا أن القرآن نزل بشفرة سرية للفهم والإدراك لن يفهمها إلا من كُشف عنهم الحجاب، أو من قدس الله سرهم!!
والأخطر من ذلك فهذا النوع من التفسير، وبالإضافة إلى عدم ارتكازه على أي أساس علمي أو منطقي، فهو يخنق كل الأنفس الجادة التي تسعى إلى محاولة تجديد فهم الدين بناء على تدبر حكيم للقرآن الكريم، ووفق ضوابط علمية وعقلانية.
من الأمور التي انقض عليها بعض المتهافتين على التراث شعيرة الصلاة، وحاولوا ومازال بعضهم يتفيهق في تصور مفهوم آخر غير الذي تواترناه عبر كل هذه القرون، معتمدين فقط وبشكل تعسفي على اللغة أو اللسان العربي لاستنباط مفهوم آخر وشكل آخر وطريقة أخرى للصلاة من آيات لا تقدم إلا إشارات رمزية وتشرع للصلاة بشكل غير مدقق.
بل في غياب ردود عقلانية مفحمة تعتمد مقاربة قرآنية قطعية، تمدد التشكيك وتوسع حتى طال شعائر أخرى مثل الحج الذي جعلوا لمناسكه معاني أخرى غريبة، بل واعتبره بعضهم بقايا وثنية، أضف إلى ذلك مفهوم الزكاة التي أصبحت عندهم مجرد طهارة روحية لا علاقة لها بالصدقات !!
وبالتالي أصبح من اللازم دحض هذه الشطحات وإبطالها.
لم نكن لنخوض في موضوع هذه القضية التي همت مراجعة توقيت وعدد الصلوات وحتى طريقة إقامتها، وقد كنا أعرضنا عنها سابقا، لولا تكاثر أتباع أولئك المتهافتين على هذه الأطروحة الفاقدة للدافع والمغزى والفائدة، ولولا أنها قضية تنخر في ثوابت الأمة، ولولا تأثيرهم المحتمل على العامة، والذي أصبح معظمهم ينجرف وراء التيار الأكثر تأثيرا على الأمزجة والأهواء، وهذا ما بدأنا نلاحظه على منصات التواصل الاجتماعي، لما خصصنا هذا المقال والتي سيٌترجم إن شاء الله كالعادة إلى حلقة مرئية، نبين فيهما ضلالات هؤلاء الضالين المضلين.
في العادة لا أكون فظا في وصف المخالفين بهذا الشكل، فأنا من أنصار فقه الاختلاف، ولكني لا أستطيع الصمت حينما يتعلق الأمر بالعبادة أو العقيدة ويكون في نفس الوقت مؤسسا على جهل بأبسط قواعد المنطق والعقل، وفي نفس الوقت تكون الفائدة منعدمة بل ولا نجر من وراء إثارته سوى تقهقرا فكريا ينضاف إلى ما نحن عليه.
كذلك هذا الوصف لم يكن لو أن أصحاب هذا الفكر الشاذ اعتبروا كلامهم محتملا للخطأ، بل بالعكس يبلغونه كأنه وحي من السماء، وأن الأمة الإسلامية وطيلة 14 قرنا كانت تصلي بشكل خاطئ في العدد والطريقة، وهذا نوع من الخبل والعته!!
قبل الشروع في تقديم الحجج والقرائن على بطلان ما قام به هؤلاء، من الواجب توضيح أنواع هذه الشطحات وكيف طرحها أصحابها.
- هناك من قلص عدد الصلوات إلى ثلاثة وحذف صلاتي الظهر والعصر، وقال إن النهار هو للعمل وليس للصلاة، واقتصر على الصلوات الليلية التي هي المغرب والعشاء والفجر.
- وآخرون، قالوا إن هناك فقط صلاتان، بالغداة والعشي.
- وهناك من لا يقول بالصلاة الحركية، وقال إن الصلاة هي فقط دعوات وتسابيح دون القيام بأي حركة..... وهلم جرا....
أولا قبل الرد على مثل هذه الاستنتاجات الباطلة لبعض "الاجتهادات" المنفلتة، والتي بالمناسبة اجتمع فيها صنفان اثنان:
- بعض الدارسين وخريجي كليات دينية مثل الأزهر وهم قلة، ونشهد لبعضهم والشهادة لله، أن لهم للأسف بعض الأفكار والاجتهادات المحمودة.
- وآخرون من أصحاب قنوات منابر التواصل الاجتماعي وهم متفاوتون في المستوى الفكري والعلمي بين مجرد ناقل ومقلد لأفكار غيره لا هم له سوى إثارة أكبر عدد من الزوار، وبين مبتدئين في حقل الفكر الديني، أغرتهم سرعة الوصول إلى المعلومة فأصبحوا مجرد بهلوانات يلعبون بها في سيرك العصر، في ظل وجود مجتمع أغلب أفراده يبحثون عن الفرجة والإثارة.
بالمناسبة أكثر هذا الصنف أو بعضهم (لا أدري كم هي النسبة) لا تفقه حتى التكلم باللغة العربية الفصيحة، بل تقع في أخطاء لغوية وفي التشكيل (ترفع المنصوب وتنصب المجرور)، وأنا لا أتكلم عن هفوات بسيطة نقع فيها جميعا، بل أخطاء تتكرر، ولا أدري كيف لمن يقع فيها باستمرار أن تكون له القدرة على الاستنباط من القرآن الذي يتطلب قدرة لغوية كبيرة.
أحب قبل ذلك، أن أنبه المتلقي إلى أمر هام يخص قضايا العبادات المتواترة بشكل عام مثل الصلاة والحج، فهي لا تجب أن تخضع لنفس المنطق ولا لنفس المنهج التصحيحي التي استعملناه في التعاطي مع بعض قضايا الموروث.
وهنا يكمن اللغط في قضايا التجديد، فيتم الخلط بين ما هو قابل للمراجعة وله دوافع وأهداف نبيلة، وبين ما ليس خاضعا للتصحيح والتقويم لأنه يفتقد إلى دوافع، وإلى قرائن قوية والأهم أنه لا يستند إلى أدلة معقولة.
فالصلاة مثلا وهي موضوع قضيتنا الحالية، هي عبادة تواترية محضة، ولكن بالمقابل لها تأصيل قرآني.
ما معنى ذلك؟
معناه أن تشريع الصلاة قرآني، أي أن الله سبحانه وتعالى ﷺ هو الآمر بإقامة الصلاة، أما طريقتها أو تحديد أوقاتها فقد أوحاها إلى عبده ورسوله ﷺ لكي يعلمها للناس عملا وليس قولا، وطبقا لما روي عنه ﷺ : "صلوا كما رأيتموني أصلي"، وكما علمه الملَك جبريل كما جاء في سورة النجم : "علمه شديد القوى.."
رغم أن القرآن الكريم قد أشار إلى بعض أوقات الصلاة بطريقة غير مفصلة للاستئناس وليس للاستنباط.
فذكره سبحانه وتعالى مثلا لصلاتي العشاء والفجر، لم يكن الهدف منه تحديد وقت الصلوات بل جاء ذكرها في مناسبة أخرى خاصة بأوقات الاستئذان في البيوت، طبقا لما جاء في الآية 58 من سورة النور:
هنا لم يأت ذكر صلاتي العشاء والفجر لتحديد أوقات الصلوات، بل أتى لتحديد أوقات أو مواعيد الاستئذان قبل الدخول إلى غرف النوم من طرف ملك اليمين ذكورا وإناثا، وكذا الأطفال، وهي ما اصطُلح عليها قرآنيا بالعورات الثلاث، وسُميت كذلك لأنها تخص الخلوة مع الزوجة، وهي من بعد صلاة العشاء، وقبل صلاة الفجر، وفترة الظهيرة (أي ما تُعرف بوقت القيلولة).
فلا يصح كما زعم بعض أولئك الذين تكلمنا عنهم سابقا، أن نستنبط كل أوقات الصلاة من هذه الآيات، ومن يفعل ذلك فهو متعسف، وقد وقع في مغالطة منطقية فادحة في فهم تدبر كلام الله، وهذا واضح للعامي قبل العالم.
فيمكن أن نشبه هذا الأمر، بمن قرأ قانون السير بخصوص أضواء المرور التي توجب التوقف عند الضوء الأحمر والاستعداد له عند الضوء البرتقالي، والسير عند الضوء الأخضر، ثم يقول أنه ليست هناك ألوان غير الأحمر والأخضر والبرتقالي !!!!
يعني هذا خبل وخلل في التفكير المنهجي.
من جهة أخرى، على العكس، فالآية السابقة بطريقة القرآن البليغة في تنزيلها، مكنتنا وتمكننا من التأكد بأن ما تم تواتره بخصوص الصلوات الموجودة لا يتناقض مع التشريع القرآني، بخصوص صلاة العشاء والفجر، فلو لم تكن هذه الصلوات ضمن ما هو موجود ومفروض، لشككنا فيها ولكان الكلام أحوج إلى النقاش مما هو عليه.
أما الآيات الأخرى التي لا تصلح للاستدلال على أوقات الصلوات كما يحاول عنوة أولئك الواهمون، فهي فقط إشارات قرآنية لا تتناقض مع الأوقات الموجودة، بل تتوافق من حيث التوقيت.
فالآية 78 من سورة الإسراء تقول:
دلوك الشمس هو وقت الزوال الذي نصلي فيه الظهر، وغسق الليل ظلمته، وهو وقت صلاة العشاء.
وهنا عكس ما يتوهم بعض من تكلمنا عنهم سابقا، فالآية لا تحدد ثلاث أوقات كما يزعم بعضهم، المغرب، العشاء ثم الفجر !!! بل هنا أمر بإقامة الصلاة لوقت دلوك الشمس إلى غسق الليل، وهذا مجال زمني ممتد والدليل لفظ "إلى"، فلو ورد لفظ "و" أو "ثم" أو غيرها، بدل لفظ "إلى" لكان الأمر يحتاج إلى نقاش.
ويصبح لدينا هذا المجال الزمني قابلا لاحتواء صلوات الظهر والعصر والمغرب والعشاء، وربما حتى الفجر (وهذا رأيي الشخصي لأن بخصوص الفجر سبقه ذكر "قرآن" فهنا ربما كان القصد أن وقت الفجر هو أفضل وقت لقراءة القرآن وتدبره، والله أعلم...)
أما من فسر "دلوك الشمس" بغروبها، فلست مع هذا القول، لأن الغروب لفظ قرآني ذكر مرات عديدة فعلا ومصدرا، وهو الأكثر تداولا، على عكس "دلوك"، التي اعتبره مصطلحا قرآنيا، فمن الواضح أنه يعني أمرا مختلفا.
وهناك آية أخرى ينطبق عليها نفس ما قلناه بخصوص الآية السابقة، وهي قوله تعالى في الآية 114 من سورة هود :
فطرفا النهار وزلف الليل، لا تمكن من استنباط أوقات الصلاة ولا عددها، بل كما قلنا ونكرر، يمكن أن تتوافق ولا تتعارض مع الموجود والمتواتر.
فطرفا النهار هما وقتان يدخل فيهما الظهر والعصر، وزلف الليل هي أوقات يمكن أن تشمل المغرب والعشاء والفجر.
ودون التيه في المسألة اللغوية، فهذه الآيات لم تحدد بشكل مفصل الأوقات التي يجب أن نصلي فيها، بل هي إشارات فقط، وربما كانت أوقاتا محددة لصلاة النبي ﷺ قبل فرض الصلوات الخمس.
وهذه فرضية تقوم على أن النبي ﷺ كان يتعبد بالصلاة في غاره، قبل أن تُفرض الصلاة المعروفة قبل سنة من الهجرة، والله أعلم.
دليل آخر على بطلان ما قام به بعض هؤلاء المتفيهقين، من تقليص عدد الصلوات إلى ثلاثة وهي الصلوات الليلية، المغرب والعشاء والفجر، جاء في الآية 36 من سورة النور:
المساجد وبيوت الله هي أماكن للتسبيح وذكر الله وإقامة الصلاة، والغدو والآصال هي أوقات تتطابق مع أوقات الظهر والعصر، والأمهم هو أن ورود عبارة " لَّا تُلْهِيهِمْ تِجَٰرَةٞ وَلَا بَيْعٌ عَن ذِكْرِ اِ۬للَّهِ وَإِقَامِ اِ۬لصَّلَوٰةِ" والتي تدل على وجود صلاة نهارية، أي تُقام في النهار، وهو ما نقوم به من صلاة الظهر والعصر وكذا الجمعة، لأن التجارة والبيع لا يمكن أن يكونا إلا في النهار.
وهذا يُبطل توهم المشككين بأن لا صلاة في النهار!!
كذلك أحب أن أشير إلى أمر آخر خاص بسرية الصلوات النهارية (الظهر والعصر)، لأنه أمر يُنكره نوع آخر من المشككين، وهو وجود آية كريمة تؤكد صحة ما تواترناه بخصوص هذين الصلاتين، وسريتهما، فقد جاء في سورة الأعراف آية 205 :
أمر الله النبي ﷺ بأن يكون ذكره لله سراً وقت الظهيرة ووقت الأصيل، وهذا يطابق توقيتي صلاتي الظهر والعصر اللذان بدورهما يُؤدَّيان سرا.
إنه تناغم وتوافق عجيب بين ما نستشهد به من كلام الله وبين صلواتنا المتواترة.
من جهة أخرى، نحن لسنا ملزمين باستنباط التوقيت ولا غيره بدقة من كتاب الله، لعدة أسباب نذكر أهمها :
لو افترضنا قدرتنا على استنباط مواقيت الصلوات من القرآن الكريم، فكيف يمكن أن نستنبط أيضا الطريقة وعدد الركعات والسجدات، وما نقول أثناءها ؟
ما يجب أن يؤخذ بعين الاعتبار بل وأهم ما يجب أن يُذكر ويُلخص في جملة واحدة هو:
الصلاة عبادة تواترية عملية، لم تنتقل بالقول، فطريقة تواترها جماعة عن جماعة منذ عهد الرسالة، وبنفس الشكل وبنفس الطريقة، قضى على إمكانية تعرضها للتحريف.
• فالتواتر العملي، هو دليل عقلي أكثر منه نقليا، بل نكاد نقول إن الروايات لم تساهم بشكل كبير في الحفاظ على هيئة الصلاة بل يكاد يكون دورها منعدما.
فالمعروف أن الحديث المشهور الخاص بتناقل الصلاة، هو حديث "صلوا كما رأيتموني أصلي" وهو أكبر دليل على أن الصلاة هي سنة تواترية عملية وليست قولية، تناقلناها عبر المشاهدة والتطبيق خمس مرات في اليوم جماعة عن جماعة عن رسولنا الكريم عليه الصلاة والسلام، واستمر نفس التواتر في المساجد إلىى الآن وطوال كل هذه القرون.
• لولا التواتر العملي للصلاة لما تم الحفاظ عليها بالطريقة التي نصلي بها الآن، ولو كان وصفها قوليا لكان ذكر قرآنيا كما تم ذكر طريقة الوضوء، ولكن الله سبحانه وتعالى أدرى وأعلم.
• لا يجب التركيز على عدد الركعات، لماذا هو ثلاثة أو أربعة أو إثنان وليس أكثر أو أقل؟ لأن هذا أيضا يعتبر من الترف الفكري، ولول كان عدد الركعات مهما لكانت كل الصلوات تقام بنفس عدد الركعات أربعة مثلا أو أكثر، ولكن كان الاختلاف في عدد الركعات حسب وقت الصلاة لحكمة لا يعلمها إلا سبحانه وتعالى، ولا دخل لنا بهذا التفصيل،
ما يهم هو الصلاة الخاشعة، وعدد الركعات حُدد لكيلا يصلي كل على هواه، والمسألة شبيهة بمسألة القِبلة، جُعلت لكي يُعلم من يتبع الرسول بمن لا يتبعه، مصداقا لقوله تعالى:
رغم ما قدمنا من دلائل قوية لا يمكن ردها، على أن الصلوات الحالية، على الأقل لا تتناقض لا في التوقيت ولا في العدد مع ما جاء في القرآن الكريم، بل تتطابق معه إلى حد كبير.
إن الكلام في موضوع مراجعة مواقيت الصلوات وعددها ليُعتبر من الترف الفكري الذي لا يفيد الأمة في شيء، بل هو فقط أمر يمكن يثير البلبلة في نفوس العباد، ولكننا كنا مضطرين لإثارته وتسليط الضوء عليه، خوفا من تمادي أصحاب الفكر الشاذ في ضلاله وإضلالهم، وكذلك تأطير عملية الاجتهاد في الأمور الدينية وحصرها في تلك التي كانت لها نتيجة عكسية أو التي تقوم على أسس واهية.
قبل أن أقدم خلاصة دراستنا ومبحثنا في قضية الصلاة، والتي ندعو المسلم المؤمن بكتاب الله وسنة رسوله المصطفى ﷺ، أن يلتزم بها، لا بأس أن نأتي ببرهان من نوع آخر لكي نُفحم بالضربة القاضية تهافت هؤلاء، باستعمال ما يُسمى بالبرهان بالخُلف، وهذا يُستعمل في علم الرياضيات، وحتمي لا يمكن رده ولا دحضه، ولذلك قلت في مناسبات كثيرة، أن افتقاد السلف المتشبع بثقافة الرواية، لا يعلمون هذه الآليات، وبالتالي لم يستطيعوا كشف كثير من الدس والوضع والتحريف وبطلان ما جاء في بعض الموروث.
هذا البرهان هو :
إن التشكيك في أوقات الصلوات وعددها، هو تشكيك في عدم تناقلها بأمانة من طرف الأولين المعاصرين للرسول ﷺ، وهذا يستحيل عقليا، لأنه يفترض أن يتواطأ جميع المسلمين في تزييف الصلاة شكلا ومضمونا بعد موت النبي ﷺ، وهذا ما لا يقبله لا عقل ولا منطق ولا خلق.
أما لو قام به فقط بعض قلة أو كثرة، لتم كشف ذلك على الفور، وبالتالي لا أساس لهذا التشكيك، وأقل ما يمكن أن يوصف به هو تهافت تافه.
ثم ما الحكمة من تزييف عدد الصلوات أو مواقيتها؟ وما مصلحة من قاموا بذلك؟
هل كانوا يأخذون ثمن تذكرة الدخول إلى المساجد، فكانت مصلحتهم في تكثير عدد الصلوات مثلا؟
أي حمق وأي تفاهة مجرد التفكير في هذا الأمر؟
حتى في حركية الصلاة، أي يزعمون أنها مجرد تسابيح واذكار، وأن الله لم يذكر طريقتها،
يبقى التنبيه إلى الطائفة الأخرى من المشككين الذين يعتبرون الصلاة مجرد أدعية وأذكار وأنه لا وجود لصلاة حركية، فهؤلاء طبعا أكثر تفاهة من أشباههم، ويهيمون في نفس وادي الآخرين، ولكنا سنفحمهم بدليل واحد بسيط لا يمكن إنكاره، ولنا في توضيح ضلالهم أجر كبير إن شاء الله.
فيكفي أن نذكرهم بآية صلاة الخوف التي أجاز الله تعالى فيها للمجاهدين بأن يقصروا في صلاتهم، تحسبا لغدر العدو، ونتساءل بالمناسبة عن جدوى التقصير في صلاة لا تُقام إلا ذكرا وتسبيحا!!!!
يقول تعالى في سورة النساء:
وهذه الآية تعتبر أيضا الفيصل في الحسم في قضية قصر الصلاة في السفر، والتي تعرضنا لها في حلقة سابقة، على موقعنا أولي الألباب.
الخلاصة:
• مغزى الصلاة هو الارتقاء الروحي وتعظيم الله، وهي وسيلة للدعاء والذكر.
• هدفها الرئيسي هو أن تنهى عن الفحشاء والمنكر وإلا أصبحت الصلاة بأي شكل وفي أي وقت لا فائدة منها.
• طريقة الصلاة كما علمنا إياها رسولنا الكريم ﷺ، دورها الأساسي هو الحفاظ عليها من الضياع، لأن عدم تكريس شكل معين وعدم التفصيل في تأديتها كان سيؤدي حتما إلى نتيجة عكسية، وهذا ما أعتقد أنه حصل مع صلاة أهل الكتاب، الذي لم يبق منها غير ترانيم تُقام في الكنيسة كل أسبوع وبدون أي مواظبة إلا من طرف القليلين.
• ليس من مصلحة أي من المسلمين التشكيك في توقيت الصلوات أو عددها أو طريقتها، لأن ذلك لا يخدم الدين بل يساهم في نشر صورة سيئة عن الإسلام وعن المسلمين كون ذلك يصورهم بأنهم كانوا عاجزين حتى على الحفاظ على مناسكهم وعباداتهم.
• من جهة أخرى، ليس التغيير في الصلوات بتقليص عددها أو تكثيره، ما سيجعل الصلاة أكثر خشوعا أو أن تصل بمؤديها إلى أسمى مراتب الإيمان، ولكن بالمقابل اتفاقنا على الشكل والمضمون والتوقيت والعدد، هو ما مكن ويمكن من الحفاظ عليها من تقلب الأمزجة والأهواء.
• التركيز الذي يجب أن يكون لدى مقيم الصلاة، هو أن يصل إلى مرتبة الخشوع، لكي يبلغ طريق الفلاح، مصداقا لقوله تعالى:
لقد أكدت في نص مشروعي حول فقه المراجعة، أن نقد الموروث هو ليس من قبيل الترف الفكري، أي يجب أن يكون له دوافع وأسباب مقنعة، وفي قضيتنا هذه، الدافع غير موجود، والخوض فيه هو من باب خالف تعرف، والحسم فيه يحتاج إلى دلائل أقوى من التي بيننا بها تهافت أصحاب القضية وفشل مشروعهم المنفلت.
** الكاتب : وديع كيتان **
لمشاهدة حلقة اليوتيوب الخاصة بالموضوع :
شارك برأيك .. وتذكر قول الله سبحانه وتعالى ((ما يلفظ من قول الا لديه رقيب عتيد))