في وقت اختلطت فيه المفاهيم، أصبح من الصعب تبيان بعض الأمور لدى المسلم خصوصا في تعاطيه لحيثيات بعض قضايا الدين، مما قد يكون لديه بعض الغموض الناتج عن خلط المصطلحات بعضهما ببعض مما يؤدي إلى استنتاج مفاهيم أخرى مغلوطة متعلقة بها، فصار من الضروري أن تكون هناك وقفة بين الحين والأخر من أجل تصحيح المسار.
سوف نحاول في هذا المقال أن نسلط الضوء على مفهومين كثيرا ما يتم الخلط بينهما وهما الإعجاز والمعجزة، من خلال توضيح الفرق بينهما وعلاقتهما ببعضهما البعض.
الإعجاز والمعجزة، هما مصطلحان مختلفان من حيث المعنى ولو أن لهما نفس المبنى.
وحيث أن هناك خلط في استعمالهما والذي أدى إلى تكون مفاهيم مغلوطة، نحاول تسليط الضوء على مفهومي الإعجاز والمعجزة عبر هذه الدراسة المختصرة، والتي تعتبر الفريدة من نوعها (نسبة إلى درجة اطلاعي) من حيث طريقة معالجة الموضوع والخالية من أي نوع من الاقتباس أو النسخ، والتي سوف يتبين فيها القارئ الفرق بين المعجزة والإعجاز، دون الدخول في متاهات فلسفية أو لغوية، وبالاعتماد على مقاربة قرآنية بالدرجة الأولى.
مبدئيا ومن الناحية اللغوية، فمن البديهي أن هناك علاقة بين المعجزة والإعجاز وذلك كونهما مصدرين لنفس الفعل "أعجز".
كذلك فليس من الصعب إثبات الفرق بينهما، فاختلاف وزني المصدرين أبسط دليل على اختلاف المعنى.
ولمن يريد التوسع في الدراسة، فيمكنه البحث في الفرق بين مصطلحين بنفس الوزن، وكمثال: المشكلة والإشكال.
من الناحية اللغوية :
عجز الإنسان عن الشيء : لم يستطع إتيانه أو فعله.
ويصدق ذلك قوله تعالى :
هنا يوضح الله جل جلاله وينفي أن يعجزه أحد من خلقه ولا أي شيء في السماء ولا في الأرض.
في حين أن إعجاز الله للبشر أمر وارد وبديهي.
ولا حاجة للتوسع لغويا، لأنه لا اختلاف يذكر في المعاني السابقة، وخير الكلام ما قل ودل.
نأتي الآن لتوضيح الفرق بين المعجزة والإعجاز والذي يعد أمرا أساسيا لإزالة الإشكال الموجود لدى الكثيرين.
الإعجاز يعني إثبات العجز، والعجز: ضد القدرة، وهو القصور عن فعل الشيء.
أما المعجزة فهي الأمر الخارق للعادة والمقرون بالتحدي وهو سالم عن المعارضة.
وعلى ضوء ما قلنا، نأتي إلى تبيان الفروقات بينهما من خلال هذه المقارنة التالية.
المعجزة :
- حدث معين أو فعل معين أو قدرة معينة في زمن معين، ولذا يمكن القول بأنها ظاهرة زمكانية.
- المعجزة حسية وترتبط بعناصر معروفة ومناسبة لعصر وقوعها، تمكن من استشعار مواطن الإعجاز فيها.
- خصت الأنبياء دون غيرهم.
- المعجزة تحدي للبشر بأن يأتوا بمثلها.
- أتت في القرآن بصيغة "آية".
- زمن المعجزات هو منتهي، لانتهاء عصر النبوة.
كل الأمور الخارقة التي حصلت للأنبياء والتي ذكرت في القرآن وأسطر على "ذكرت في القرآن"، هي معجزات بكل المقاييس، وهي صريحة ولا شك فيها.
وهي ضرورية ولا مناص منها لإثبات النبوة والدعم الإلهي للأنبياء.
وهدفها الرئيسي إن لم يكن الوحيد هو إثبات النبوة وإلهية الرسالة ، وبالتالي إقناع الناس بإلهية ما يُبَلَّغون به من طرف الأنبياء والرسل.
وهي أقوى وسيلة لتحقيق هذا الهدف، وإقامة الحجة على من يشهدها فقط دون غيرهم.
وإذن فهي ظاهرة زمكانية محدودة.
أما مسألة التسمية فأرد على من يفضل أن يسميها آية بقولي : المسألة برمتها اصطلاحية وليس هناك خلاف، فكوني أسميها معجزة، فذلك لأنه - وكما هو معروف - ليس هنا مدلول واحد لكلمة آية، وبالتالي فليس من الأوجه والأقوم أن نطلق "آية" على الأمر الخارق، وتصبح كلمة "معجزة" هي الأنسب.
الإعجاز :
- ظاهرة لا ترتبط لا بالزمان ولا بالمكان. ولذلك فالإعجازهو مستمرالحدوث ومنه ما هو أزلي بل ومتجدد عبر العصور.
- الإعجاز معنوي بطبعه، فالإعجاز لا يجسده حدث عيني، وإنما هو تصور معين يقبله عقل معين نسبة لمعرفته.
- هناك إعجاز نسبي وإعجاز مطلق.
- الإعجاز المطلق هو إلهي فالقرآن هو الوحيد الذي يتصف بهذا النوع من الإعجاز كونه كلام الله.
- الإعجاز النسبي هو بشري بطبعه وهو ما تعرف به الخوارق الإنسانية، والخوارق هي قدرات بشرية جسمية أو عقلية ممنوحة لأناس معينين هدفها إظهار قدرة الله عز وجل في خلقه. والفرق هو أنها تتسم بالاستمرارية، فما يلبث أن تظهر عند أحد حتى تتوفر عند الآخر.
ملحوظة : ما قلنا سابقا ليس للحصر ومن الممكن إضافة نقط أخرى.
فالفروق بين المعجزة والإعجاز يمكن إيجازها في :
- استمرارية الإعجاز و توقف المعجزة
- حسية المعجزة ومعنوية الإعجاز
- استحالة إنكار المعجزة وإمكانية ذلك بالنسبة للإعجاز.
وأبسط مثال هو أن أوجه الإعجاز العلمي في القرآن الكريم، بغض النظر عن تأكيدنا له، ليس مهضوما من طرف كل المسلمين !! فالأمر راجع لمدى تقبلهم لهذا النوع من المجاز وهو ليس متاحا إلا لمن له أرضية معرفية بالقضية المتعلقة بالإعجاز.
أما المعجزة فلا يمكن أن ينكرها إلا الأحمق طبعا.
في الأخير ولكي نعطي نتيجة ملموسة لهذه الدراسة، نقر التالي :
• ما يعتبر معجزة الرسول محمد (ص) هي معجزة الإسراء والمعراج، وهي ما أقرها القرآن الكريم بوضوح.
• انشقاق القمر وانسلال الماء بين يدي النبي، مشكوك في حدوثهما لكون مصدرهما ظني (من الروايات)، والمعجزة حدث كبير لا يمكن إلا أن يكون يقيني المصدر أي من القرآن الكريم.
• القرآن الكريم يتكلم عن مجموعة معجزات حدثت للأنبياء، ولكن لا يمكن اعتباره معجزة في حد ذاته كما يظن البعض في قولهم إنه جاء كمعجزة بلاغية لقومه.
فهذا كلام لا يستقيم كون القرآن هو للعالمين، وإعجازه لا يجب أن يتوقف في البلاغة وفي قومية المتلقي.
ثم استشعار البلاغة ليس متاحا للكل، حتى في أيام البعثة.
أولا لأن هذا كلام لا يستقيم كون القرآن هو للعالمين، وإعجازه لا يجب أن ينحصر فقط في البلاغة لأنه سيكون مرتبطا بقومية المتلقي.
وحتى استشعار البلاغة ليس متاحا للكل، حتى في أيام البعثة.
ثانيا المعجزة تتطلب عدم إنكار أي شاهد لها، والأمر لا يتوفر هنا، فغير المسلمين لا يؤمنون بالقرآن الكريم، فكيف يؤمنون بأنه معجزة ؟؟
ولكن بالمقابل نقول ونؤكد أن القرآن الكريم فيه أوجه إعجاز كثيرة من إعجاز علمي وإعجاز بلاغي وإعجاز تاريخي وإعجاز منطقي وغيرها من أنواع أخرى عرفنا بعضها وجهلنا البعض الآخر.
أما إذا وصفنا القرآن بالمعجزة فقد حددنا زمن إعجازه ومكانه ونزعنا عنه الاستمرارية، فالقرآن لا تنقضي عجائبه، وما يحتوي عليه من إعجاز هو مستمر وأزلي، ولذلك فالأصح القول "إعجاز القرآن".
** الكاتب : وديع كيتان **
[ 3 ] تعليقات :
2024-11-14 12:49:24828563 من Russianumsmeelf@mailport.lat
2024-10-09 12:29:06زيد كلا من Beninkalazaidou7@gmail.com
المشاركة في الاجتماعية بين الناس
2024-08-26 11:13:00829271 من RussiaImpaini@mailport.lat
Nutr Clin Nutr 1985; 39 4 297 301 how to take priligy As of 2006, the risk of acquiring hepatitis B via blood transfusion in the United States is about 1 in 250, 000 units transfused, and the risk of acquiring HIV or hepatitis C in the U
شارك برأيك .. وتذكر قول الله سبحانه وتعالى ((ما يلفظ من قول الا لديه رقيب عتيد))