بعد أن بيننا سابقا أن السنة هي منهاج وسيرة، سوف نتطرق هنا لعلاقتها بالحديث.
من اللازم أن تخضع المفاهيم الموجودة لضوابط مبنية على دلالات معرفية أهمها الدلالة اللغوية، وهي ليست قطعية والواجب مناقشتها وجمع الآراء لتأكيد وتكريس مفهوم معين.
مفهوما الحديث والسنة بالمعنى المتعارف والمتداول حاليا ومنذ زمن، هما ناتجان عن فهم واصطلاح للسلف في زمن معين تم توارثه عبر الأجيال بشكل تسلسلي لا تواتري، أي بشكل عمودي لا أفقي، ولم يخضعا في أي وقت من الأوقات للنقد حتى ينضجا ويصبحا مهضومين ولو من لدن من يملك سقفا معرفيا متوسطا أو من يتسلح ببعض الأدوات العلمية.
والأخطر من ذلك أنهما ليسا نابعين من مصدر قرآني أو نبوي يكرس المعنى السائد، وبالتالي فمن الواجب إعادة فهمهما وفق قواعد علمية وعقلانية راشدة.
الحديث :
لغة : يطلق على الخبر و هو المناسب للمعنى الاصطلاحي، كما يطلق على الجديد ضد القديم.
واصطلاحا : ما أضيف إلى النبي صلى الله عليه و سلم من قول و فعل.
السنة :
لغة هي الطريقة والسيرة.
واصطلاحا : سوف تحول بقدرة قادر من طرف المحدثين إلى كل ما روي عن نبينا عليه الصلاة و السلام من أقوال أو أفعال وصفات خَلقية و خُلقية.
وللملازمة الموجودة بين الحديث والسنة، تطلق السنة على الحديث أيضا، وتستعمل غالبا بهذا المعنى.
في نظري هذه المصطلحات أو المسميات تجر وراءها مفاهيم مغلوطة، فهي تكلف الكلمات أكثر من معانيها بل وتتعداها، كما هو الشأن بالنسبة لإقحام الأفعال في الحديث والأقوال في السنة.
ولما كان القرآن أصدق مرجع وأقوى مصدر فلن نجد أحسن من المعنى الذي يصوره لنا ربنا عز وجل في كتابه العزيز من خلال آياته التي احتوت على الكلمتين "السنة و "الحديث".
فبالنسبة للحديث :
يقول تعالى :
الآية 44 من سورة القلم.
في الآيات أعلاه يصف سبحانه وتعالى القرآن صراحة بالحديث، معرفا وليس نكرة.
فكيف يمكن أن نطلق نفس المصطلح "الحديث" ومعرفا على قول بشر حتى ولو كان النبي (ص) ؟؟
الآية 6 سورة لقمان.
هنا يتكلم ربنا عز وجل عمن يستهزئ بآيات الله عن طريق الصد عن الحق والمجادلة في الله بغير علم و يتوعد من يفعل بالعذاب المهين (وطبعا لا علاقة للهو الحديث بالغناء كما ورد في بعض التفاسير !! ).
قياسا على ذلك ومن خلال ما سبق فمن غير اللائق بل من الخطأ أن نتكلم عن الحديث وأنه ما روي عن النبي صلى الله عليه و سلم ، أو عن مصطلح الحديث كما لو كنا لا نعلم أن الحديث (معرف) هو كلام الله !!! فهل كنا نحترم قدسية كلام الله في ذلك؟
و في نفس الوقت وحفاظا على مكانته عليه الصلاة و السلام، فحديثه (إن صح وباعتبار ما قال فعلا) يجب أن يبقى مصانا، ولا يجب تداوله بالمعنى التقليدي المتعارف عليه وتصنيفه بالصحيح والضعيف والحسن و.. !!!
فالأصح نقليا وعقليا أن نعتبر ما وصلنا من "أحاديث" مجرد أقوال مروية عنه (ص) ولا يجب أن تتعدى ذلك.
وبالتالي فما وصلنا عنه صلى الله عليه و سلم يجب ألا يتعدى المفهوم الحقيقي و المعنى المضبوط الذي هو الرواية.
بالنسبة للسنة :
فقد تكلمنا سابقا وبالتفصيل عن المعنى الحقيقي لها وقلنا أن مفهوم السنة بشكل عام هو:
ذلك الناموس الكوني الذي يضمن للإنسان أن يسير على بصيرة من أمره في كل مجالات الحياة
فهي المحرك الأساسي لحركة التاريخ والحضارة
وأن السنة النبوية هي:
منهاج النبوة الحركي من خلال الفهم الواعي والراشد للقرآن الكريم
ولكننا ورغم ما قدمنا من تعاريف ومفاهيم، سيبقى استخدام المصطلحات الشائعة واردا لنكون أكثر تفاعلا مع المتلقي الذي تحكمه هاته المفاهيم و أقرب إلى التواصل والإقناع، وستتم الإشارة إلى المفاهيم الجديدة من حين لآخر، لأننا نراها أكثر تحقيقا للمدلول والمعنى الصحيح.
وسنحاول التركيز على المفاهيم الجديدة لكيلا يذهب اجتهادنا سدى، وسوف نعتبر بناء على ما قلنا:
- أن الحديث سوف يصبح رواية.
- والسُّنَّة سوف لن تكون إلا سُّنَّة فعلية، وفي بعض الأحيان سوف نضطر إلى اعتماد السنة القولية للتعبير عن أقوال النبي المروية، وذلك لتواصل أكبر مع المتلقي.
إن تطرقنا للمدلول القرآني لمصطلح السنة والحديث ليس نابعا من فراغ أو لمجرد الترف الفكري، بل إثبات اختلافه مع المدلول الاصطلاحي ضروري لنفي وجود هذا الأخير زمن النبوة وأنه مختلق في زمن متقدم وبشكل متعجل لم ينتبه فيه واضعوه لهذا الاختلاف البين.
في الختام :
السنة، بحسب التعريف القرآني، تخضع لها كل المخلوقات لأن مصدرها إلهي بالدرجة الأولى.
والسنة النبوية هي منهج حركي من الواجب اتباعه أسوة بالنبي محمد عليه الصلاة والسلام.
وأما الحديث كما هو مصطلح عليه بالسنة القولية، فلا يجب أن يتعدى مرحلة تاريخية تفاعل فيها الرسول مع الوحي بتطبيقه وفق منهج حركي وفي ظروف معينة يحكمها الزمان والمكان، منها ما يصلح لظروف زمكانية أخرى ومنها ما لا يصلح.
في المقال اللاحق سوف نتطرق للفرق بين السنة والرواية أي بين ما صدر عن النبي (ص) وبين ما روي عنه ...
** الكاتب : وديع كيتان **
لمشاهدة حلقة اليوتيوب الخاصة بالموضوع :
شارك برأيك .. وتذكر قول الله سبحانه وتعالى ((ما يلفظ من قول الا لديه رقيب عتيد))