يرى أغلب أنصار الفقه التقليدي أن السُنَّة شارحة للقرآن مبينة المراد منه ، قال الأوزاعي : الكتاب أحوج إلى السُنة من السُنَّة إلى القرآن ، وقال ابن عبد البر : إنها تقضي عليه ، وتبين المراد منه ، وقال يحيى بن أبي كثير : السُنَّة قاضية على الكتاب .إلى غير ذلك مما يدل على تعاضد القرآن والسُنَّة ، في إثبات الأحكام الشرعية واستظهارها ، وقد ذكر السيوطي عن بعض العلماء قوله: السُنَّة شرح للقرآن ، وقد ألَّف ابن برجان كتابا في معاضدة السُنة للقرآن...
نحن طبعا نرفض هذه الأقوال والادعاءات، وسوف نستعرض هنا بعض المغالطات التي وقع فيها فقهاؤنا لاستنتاج مثل هذه المفاهيم الخطيرة التي برروا بها التناقض الواضح بين الكثير مما ورد في الحديث وبين ما أتى به القرآن، وكذلك استغلت من طرف آخرين لتمرير أفكار مغلوطة في مجالات عدة خصوصا السياسية منها، عبر التدليس في السنة النبوية الشريفة لما عرفوا من تأثيرها القوي والمباشر على الناس.
من بين هذه المغالطات بل وأهمها :
ادعاء بيان الحديث للقرآن :
يستمد أنصار المدرسة السلفية قوة الحديث ومصداقيته من القرآن الكريم عبر إلصاق السنة بكلمة الذكر و إقحامها بشكل تعسفي حتى ان البعض منهم أو معظمهم اعتبروا آية :
الآية 9 من سورة الحجر
تعني القرآن والسنة معا !! وهي محاولة لاكتساب الشرعية والمصداقية لصالح الحديث تجاوزوا فيه كل الحدود في سبيل ذلك !!!
ثم فسروا الآية التالية :
الآية 44 من سورة النحل
على أن الذكر هنا هي السنة لأنها تبين القرآن فمرروا بسهولة هذا التفسير الذي كان الهدف منه التأكيد على أنه لا يمكننا فهم القرآن ولا شرحه دون الرجوع إلى الأحاديث.
وهذا رغم أن الذكر وكما جاء في التفاسير ليس شيئا آخر غير القرآن الكريم وكما تؤيده أيضا جميع الآيات التي تحتوي على كلمة الذكر :
في حين أن رؤيتنا لمسألة البيان في الآية 44 من سورة النحل هي أن الله جعل القرآن هو الوسيلة والمنهاج والدستور الذي سيستخدمه رسوله الكريم لكي يبين للناس ما يجب أن يعلموه من أمور دينهم و دنياهم و ليس كما أراد السلف أن يفهمونهم إياه بقولهم أن الحديث هو الذي يبين للناس القرآن وبدونه لا يمكن أن نفهمه، وكأن كتاب الله هو مجموعة من الألغاز أو نص مشفر لا توجد شفرته إلا في الأحاديث المروية !!، وطبعا هذا غير صحيح بدليل أن بعد موت النبي صلى الله عليه وسلم، لم ينتظر الناس كل تلك السنين (قرابة قرنين) إلى أن بدأ عصر تدوين الأحاديث حتى يفهموا كلام الله !!!
بكل بساطة الآية المستدل بها :
فهل كان علماء أهل الكتاب ببيانهم يشرعون أم يظهرون حكم الله سبحانه في المسألة ؟
أما إذا افترضنا جدلا أن الحديث شارح للقرآن، فلماذا كل هذه الكتب التي ألفت لشرح الحديث؟؟ ونذكر على سبيل المثال :
فتح الباري شرح صحيح البخاري، صحيح مسلم بشرح النووي، تحفة الأحوذي شرح سنن الترمذي، سنن النسائي شرح السيوطي وحاشية السندي، عون المعبود شرح سنن أبي داود، سنن ابن ماجه بشرح السندي و المنتقى شرح موطأ مالك.
وقد يتساءل السائل : لو كان الحديث شارحا للقرآن و يشمل كل ما يحتوي عليه لأمكن أن يكون بديلا له، أو على الأقل يعتبر كمرجع رئيسي ؟ وبالتالي لماذا أنزل القرآن أصلاً مادام الحديث حينها سيكون وحده كافيا !!
و الواقع الآن يبين أن المسلمين في غالبيتهم يتجهون إلى الحديث وأقوال الفقهاء كمرجع أساسي، والقليل منهم يرجع إلى القرآن لتدبره، وأعتقد أن هذا ما تنبأت به الآية الكريمة :
ثم إننا نكاد نجزم بأن المرويات لم تتفق في شرح الكثير من المفاهيم القرآنية بل عمقت درجة الاختلاف فيها، وكنتيجة لذلك تعددت المذاهب والتيارات وتأجج الخلاف والاختلاف
ولا شك أن الصراع السنس الشيعي هو أقوى مثال على ما نحن بصدد قوله.
إن أهل السلف الذين تبنوا هذا الطرح، نسوا أو تناسوا أن الله تعالى أنزل القرآن ميسرا وبلسان عربي مبين لقوله تعالى :
ذكرت مكررة 4 مرات في سورة القمر
لقد جعل الله القرآن في أول الأمر بلغة القوم المنزل عليهم لكي يكون الوقع مباشرا والفهم واضحا بدون أدنى تأويل ولا زيادة أو نقصان من طرف المبشر به أي النبي المصطفى.
الآية 89 من سورة النحل
نحن لا ننكر بأن هناك الكثير من الآيات التي نحتاج لتفسيرها بعض ما روي عنه صلى الله عليه وسلم، ولكن على سبيل الاستئناس لا الاستدلال، كالآيات المرتبطة بالظروف الزمكانية والأحداث التاريخية، لكن دون أن يهيمن المروي على النص القرآني الصريح، لكي نحفظ لهذا الأخير قيمته وقوته، وكلنا نعلم ما تعرضت له بعض الروايات المتعلقة بالتاريخ من تحريف خدمة للسياسة.
علاقة الوحي بالسنة والحديث :
في محاولة جل فقهاء السلف غفر الله لهم لإعطاء مزيد من المصداقية والقدسية للحديث هو اعتبار كل كلام النبي صلى الله عليه وسلم وحيا وإزالة طابع البشرية عما صدر منه من قول وفعل.
و كانت هذه هي القشة التي قصمت ظهر البعير، وكان الاستدلال على قولهم في الآية التالية :
وزعم أهل الحديث او أكثرهم ان كل كلام النبي هو وحي من الله تعالى !!! هو تعسف واضح ناتج عن خلط بين كلام الله كرسول (القرآن الكريم) وبين كلامه كنبي (السنة القولية والفعلية) وبين كلامه كبشر (ما ارتبط بحياته الشخصية وتصرفاته التلقائية في أمور دنياه).
والخطأ في نسب كل منطوق النبي إلى الوحي وهو ما ارتكبه كل المؤيدين لهذا الطرح هو اعتقادهم أن ضمير "هو" في آية : ﴿ وَمَا يَنطِقُ عَنِ الْهَوَى إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى ﴾ ، يعود إلى كلام النبي، في حين أنه يعود إلى كتاب الله.
فبداية سورة النجم التي وردت فيها الآية يخاطب الله فيها أهل مكة الذين ينكرون ما جاء به الرسول وهو القرآن الكريم، وكانوا يتهمونه بالضلال والغي، قال تعالى :
فالآية جاءت كجواب على المشككين في مصدرية القرآن الربانية وللتأكيد على أنه وحي من الله تعالى وليس من هوى النبي (ص).
فليس من المعقول أن يجادل الله المشركين في كلام الرسول العادي الغبر المرتبط بالرسالة !!!
كما أن الوحي الذي خصص للنبي (ص) جاء دائما مرتبطا بالقرآن الحكيم وفي مواضع شتى، قوله تعالى :
فهو الدليل على أنه ليس هناك من وحي إلا القرآن الكريم، وإلا فكيف سنعلم الفرق بين الوحي القرآني والوحي غبر القرآني ؟؟
بل السؤال الأهم، ولو افترضنا جدلا أن كل كلام النبي وحي، ما جدوى وجود وحي مدون في القرآن وآخر غير مدون فيه ؟؟
وأما خير دليل يدحض هذا الزعم هو عتاب الله لنبيه في اكثر من مرة وفي مواضع عدة ذكرت صراحة في القرآن الكريم :
هل يعقل أن يوحي الله إلى نبيه بفعل أو قول شيء ثم يعاتبه بعد ذلك ؟؟؟
وأخيرا وليس آخرا، فلو كان كلامه صلى الله عليه وسلم وحيا أكان النبي (ص) ينهى عن كتابته وتدوينه؟ وقد تكلمنا سابقا عن ذلك في فصل كامل عن "تدوين وجمع الحديث".
كل ذلك يؤكد بشكل لا يترك مجالا للشك أنه ليس كل ما يصدر عن النبي هو وحي، بل وجب التفريق بين كلامه كرسول وبين كلامه كنبي أو قائد أو بشر.
وطبعا نستثني من كلامنا السابق عن الوحي ما صدر عن النبي صلى الله عليه وسلم من أفعال تفصيلية للعبادات من قبيل معرفته بطريقة الصلاة ومناسك الحج وغيره، والتي تعتبر من الوحي الغير المنطوق.
وبخصوص هذا النوع من الوحي يشترط أن تدعمه آية كريمة تعطيه المصداقية لكي يكون حقا وأيضا لكيلا يدعي أي كان وحيا موهوما كما تؤكد ذلك الآية التالية:
كان بالإمكان أن يبلغ الرسول (ص) للمسلمين حرمة الميتة والدم ولحم الخنزير بطريقته الخاصة عندما أوحى الله إليه ذلك، ولكن الله أراد أن يوثق ذلك الوحي بتلك الآية لكي يعطيها مصداقية أكثر.
وهذا أكبر دليل على أن أي وحي يجب أن يكون مصحوبا بدليل مادي هو القرآن الكريم.
كان الهدف من ذكر هذه المغالطات هو وضع الحديث النبوي في إطاره الحقيقي، ودحض أوهام من يعطيه كل تلك القدسية التي توازيه مع كلام الله تعالى، وهذا طبعا لا ينفي قيمته الكبيرة كمرجع أساسي في توضيح الكثير من المسائل الفقهية.
** الكاتب : وديع كيتان **
لمشاهدة حلقة اليوتيوب الخاصة بالموضوع :
[ 1 ] تعليقات :
2018-02-27 01:33:54عصام شملح من السعودية jaberjbear@gmail.com
كلام شيعة غير مقبول .
( حسبنا الله ونعم الوكيل )
شارك برأيك .. وتذكر قول الله سبحانه وتعالى ((ما يلفظ من قول الا لديه رقيب عتيد))