من خلال تفسيرنا السابق لمدلول كلمة السنة والحديث، تتجلى لنا الفوارق بوضوح بين السنة والرواية :
الرواية بطبيعتها سهلة التحريف بخلاف السنة فهي غير قابلة لذلك بحكم طبيعتها الفعلية خصوصا إذا ربطت بالعامل الزمني. وعلى العكس فالرواية كالخبر كلما طال الزمن كان تغير محتواه حتميا مثله مثل الإشاعة.
وفي الرواية، بمجرد تبديل لحرف أو كلمة أو صياغة مختلفة يمكن أن يتغير المعنى تماما، وهذا ما يجعل التحريف واردا وسهل الحدوث.
ومن التجارب التي أجريت في هذا الصدد، أن أتوا بمجموعة من الأشخاص وأخبروا أحدهم بنبأ معين ليقوم بروايته لشخص ثان وهكذا دواليك حتى وصل الخبر إلى الشخص الأخير (وأظن أن عدد الأشخاص كان عشرة)، ففحصوا روايته وقارنوها مع الرواية الأصلية فوجدوا اختلافا كثيرا وصل تقريبا إلى معنى معاكس !!!
وهذه التجربة تحولت فيما بعد إلى لعبة سميت ب"الهاتف المكسور" والفرنسيون يسمونه "le Téléphone Arabe " أي الهاتف العربي !!! وهو ربما تهكم مقصود على العرب لاشتهارهم بتحوير الكلام.
وتوجد قاعدة لدى اختصاصيي فن التواصل (communication) تتعلق بما نتكلم عنه، وهي أن عناصر الرسالة المراد توجيهها للمخاطب تتعرض لتشويه أو تحريف (deformation) تصاعدي (croissant - Ascendant) ممثل على الشكل التالي :
100 % : ما يجب أن أقوله.
90 % : ما أفكر في قوله.
80 % : ما أعرف قوله.
70 % : ما أقوله فعلا.
60 % : ما يستمع له الآخر ( Entendre - Hear).
50 % : ما ينصت إليه الآخر ( Ecouter - listen).
40 % : ما يفهمه الآخر.
30 % : ما يقبله الآخر.
20 % : ما يحفظه الآخر.
10 % : ما سيقوله الآخر ويردده.
أما إذا أضفنا عامل الزمن فسينضاف النسيان وأشياء أخرى فيزداد بذلك التشويه وربما انحرف الكلام عن معناه الأصلي، وانقلب إلى العكس.
إذن فالرواية كما أشرنا إلى ذلك معرضة للتحريف وفقا لطبيعتها.
- أما السنة فهي عمل النبي وفق الحكمة التي علمه الله عز وجل..
فلا يجب إقحام إلا الأعمال التي تصدر عنه بصفته رسولا فقط، لأن الموروث الحالي هو عبارة عما وصلنا من الرواة من أقوال و أفعال تعدت صفته كرسول إلى صفته كبشر.
فنقلت إلينا كل الروايات عنه كرسول و كقائد للجيش و كرئيس للدولة الاسلامية وكإنسان عادي.
وفي هذا الصدد اختلط ماله علاقة بالرسالة بما له علاقة بالحياة العادية والتي تمثل اجتهادا فرديا وليس من منطلق الوحي الإلهي.
والدليل على ذلك ما صدر عن الرسول من مسائل لم يكن إتباعها بالأمر الناجع، كمسألة تأبير النخل وغيرها. ومما روي عنه صلى الله عليه وسلم في هذا الشأن قوله : "انتم أعلم بشؤون دنياكم".
وبعد كل ما قلنا يحق لنا التساؤل التالي والذي يفرض نفسه:
هل يمكن لنبي أن يصيغ نصاً يتصف بالصلاحية لكل زمان ومكان؟
يتبع...
** الكاتب : وديع كيتان **
لمشاهدة حلقة اليوتيوب الخاصة بالموضوع :
شارك برأيك .. وتذكر قول الله سبحانه وتعالى ((ما يلفظ من قول الا لديه رقيب عتيد))