في الحقيقة، لقد تكلمنا من قبل عن المحرمات من الأكل والشرب، في حلقتنا المفصلة عن دائرة المحرمات من القرآن الكريم، وذلك في سبيل الحسم في مسألة الحرام والحلال فيما يخص استهلاك الإنسان لما يسد به رمقه، وقطع الطريق أمام من ينقص أو يزيد من الأصناف التي فصل فيها سبحانه وتعالى وطبقها رسوله المصطفى الكريم من غير زيادة أو نقصان.
ولكن مازلنا نعيش إلى يومنا هذا تخبطا عشوائيا ومناقشات أو تنابزات حول هذا الموضوع بين أطراف ليس لهم من العلم إلا بضاعة مهترِئة، حتى ولو أحسن بعضهم في أشياء ولكنهم يسيئون في أخرى، في حين أن المسألة تحتاج إلى فصل بالبرهان والدليل القرآني، وبالفهم المستنير والاستنباط الحكيم لآيات القرآن الكريم، كما فعل ذلك نبينا الأكرم ﷺ.
بشكل عام، وفي اعتقادي بخصوص الأكل المباح، فالأصل الذي يُعتمد عليه من طرف الفكر الموروث، وفي كل ما يخص الدواب الجائز أكلها، هو مبدأ الكل مباح إلا ما حرم بنص شرعي، أي الكتاب أو السُّنة، أو بالقياس إلى الآية القرآنية:
أي أن كل ما هو خبيث فهو حرام، وكل ما هو طيب فهو حلال.
وفي الحقيقة، ورغم أننا نتفق بشكل كبير مع هذا الطرح، ومع نتيجة تطبيق هذه القاعدة، إلا أننا لا نتفق مع بعض الجزئيات، ولا نطبق نفس المنهج.
فنحن أولا لا نتفق مع شرعية الحديث النبوي في التحريم، فهو نهي وليس تحريما، وهو اجتهاد نبوي في فهم التنزيل الحكيم، هذا إن صحت الروايات المرتبطة بالموضوع.
ثانيا: أن الآية السابقة الذكر، فليس معناها في نظري أن كل ما هو طيب فهو حلال، وكل ما هو خبيث فهو حرام، ولكن معنها، هو أن كل ما حرم الله علينا فهو خبيث، وكل ما أحل الله لنا فهو طيب.
والفرق شايع بين النتيجتين، وأبسط ما يمكن أن نستدل به، هو أن الطيب والخبيث، هي مسألة نسبية لدى الناس، وهي مسألة ذوقية بالأساس، فلا يمكن الاعتماد على هذه المسألة في التحليل والتحريم.
باختصار، سنحاول في هذه الحلقة تناول الموضوع بشكل أكثر علمية من حيث المنهج، بعد أن نقوم بالتذكير بما قلناه سلفا بخصوص محرمات الأكل الواردة حصرا في القرآن الكريم، ثم نعرج إلى الكلام عن كيفية استنباط الحكم الشرعي حول ما لم يُذكر بطريقة مباشرة، ووجب أن يوضع في الاعتبار لاستكمال حلقات منظومة الأكل الحلال.
وكلامنا سيُمكن من الإجابة على الأقل عن الأسئلة التالية:
هل المحرمات المذكورة قرآنيا هي حصرية، وكل ما دونها حلال؟
هل يجوز أكل لحوم الحمير والأحصنة والبغال وغيرها من نفس الصنف؟
هل يجوز أكل لحوم الأسود والنمور والكلاب والقطط وغيرها من نفس الصنف؟
هل يجوز أكل الظباء والضباع وغيرها؟
هل يجوز أكل الطيور بجميع أصنافها؟
هل يجوز أكل الجراد أو الحشرات بشكل عام؟
هل يجوز أكل الحلزون؟
هل يجوز أكل الزواحف بشتى أنواعها أم بعضها؟
هذا بالنسبة للبر، أما ما يوجد في البحر:
هل يجوز أكل كل ما يوجد في البحر؟ وهل ينطبق عليه ما ينطبق على ما يوجد فوق البر؟
ومن جهة أخرى، سوف نجيب عن سؤال مختلف ومرتبط بالموضوع ولكنه مازال يشكل حيرة لدى غالبية المسلمين، إن لم أقل كلهم، وهو:
هل يجوز أكل الطعام الجاهز في غير بلاد المسلمين؟
...... وأسئلة أخرى .....
قبل ذلك، تعالوا نذكر بما حرم الله علينا من الأكل وفصله في آياته:
1. المحرمات من الأكل:
الآية ﴿3﴾ سورة المائدة فيها أحد عشر محرما وهي:
1. الميتة والدم (المسفوح) ولحم الخنزير:
جاء تحريم الميتة والدم ولحم الخنزير في أربع آيات قرآنية، فبالنسبة للدم، جاء تفصيل طبيعة الدم المحرم أكله وهو الدم المسفوح في الآية السابق ذكرها : 145 من سورة الأنعام، فاستثنى بذلك الكبد والطحال، وكما أكد ذلك الحديث المروي عن نبينا صلى الله عليه وسلم.
- بخصوص الميتة تم ذكر حالات خاصة للأنعام التي ماتت بطريقة معينة كالمنخنقة، والموقوذة، والمتردية والنطيحة وما أكل السبع، ويمكن أن تصبح حلالا فقط إذا تم تذكيتها قبل موتها، كما جاء في الآية 3 من سورة المائدة.
بخصوص الدم، فالمحرم منه، هو فقط الدم المسفوح، وأما الكبد والطحال بحكم أنهما من الدم المجمد المتماسك، فلا يدخلان في زمرة المحرمات، لقوله تعالى محددا نوعية الدم المقصود:
سورة الأنعام
وحديث النبي ﷺ عن الكبد والطحال، ما هو إلا استنباط من هذه الآية، وكما أشرنا إلى ذلك، وكما نقول مرارا، فالنبي ﷺ لا يشرع حراما أو حلالا، بل له الحكمة بالاستنباط مما فهمه من القرآن الكريم، وهذا يفتح الباب لنا أيضا كمسلمين أن نستنبط إن توفرت لنا الحكمة لفعل ذلك.
وهذا ما سنفعل لاحقا إن شاء الله في الفصل الثاني من هذه الدراسة.
2. الذبيحة غير الشرعية:
وهي نوعان:
- ما أهل لغير الله به، أو كما جاء في آية أخرى ما لا يذكر اسم الله عليه.
فكل ذبيحة لم يذكر إسم الله عليها قولا ونية أكلها حرام.
- وما ذبح على النصب أي ما ذبح تقربا إلى النصب أو الأنصاب وهي الأوثان والأصنام.
في نهاية هذا الجزء، نذكر أن المحرمات من الأكل هي عشرة، وكلها أتت بها الآية 3 من سورة المائدة،
ولا اختلاف في تحريم هذه الأصناف والانواع من الأكل.
وكل ما ذكرنا مما حرم الله تعالى علينا كمسلمين، لا يجوز أكله إلا عند الاضطرار، لقوله تعالى وبشكل مكرر :
2. ما لا يجوز أكله مما لم يُذكر في القرآن بشكل صريح:
في الجزء الثاني، سوف نتطرق لما لا يجوز أكله ولكنه ليس محرما، ويدخل في دائرة المنهيات من الأكل، إيمانا منا بأن التحريم اختصاص إلهي.
ولكن المنهيات التي سنتكلم عنها هنا هي على مستويات، منها ما هو قريب من المحرمات، وهو ما استنبطناه بطرق منطقية عقلية كالقياس مع محرم آخر، ومنه ما هو منهي عنه لدرجة الكراهة فحسب، بناء على منطق آخر مغاير.
وأعتقد ان هذا المنهج هو ما سلكه نبينا ﷺ فيما روي عنه من أحاديث متعلقة بالموضوع.
وأعتقد أننا سنكون قد فككنا الغموض والحيرة بخصوص ما لم يورد بشكل صريح في القرآن الكريم بطريقة غير مباشرة، وما زال يشكل الخلاف حول أي مستجد أو نازلة تتعلق بالموضوع.
والسؤال الأهم الذي يمكن أن تفك الإجابة عنه النسبة الكبيرة من الغموض الموجود هو :
ما الذي يجوز أكله ويُعتبر صالحا للأكل؟
بصيغة أخرى، هل حدد الله سبحانه وتعالى أنواع الحيوانات التي يجب أن تذبح وتُأكل أم فقط ذكر المُحَرم منها، وترك ما بقي مباحا؟
هل ما أضيف إلى المحرمات منها والتي ذكرتها الأحاديث النبوية، يُعتبر تشريعا آخر من الرسول ﷺ أم هو فقط اجتهاد في فهم التنزيل الحكيم، أم هو فقط نهي منه ﷺ لظروف خاصة في بيئته، ولا يُعتبر تحريما في حد ذاته؟
أولا يجب أن ننتبه إلى آية قرآنية يجب أن نضعها في الحسبان، وهي ستجيب عن السؤال الذي طرحناه مسبقا، وعن أسئلة أخرى إذا ما نحن قاطعنا الآية بآيات أخرى ليكتمل المعنى المطلوب، وهذه الآية جاءت في بداية سورة المائدة، لتحدد مجالا أو دائرة لما هو حلال أكله من الأنعام المسموحة، قبل ان يتبعها باستثناء ما حرمه سبحانه في آيات أخرى، والآية تقول :
هناك من سيعترض بقوله إن تحليل بهيمة الأنعام لا يعني تحريم غيرها، وأنا أقول بلا، لأن المنطوق والمسكوت عنه كلاهما يحددان المعنى والمدلول، فقط يجب أن يكونا من نفس الجنس.
مثلا هنا في حالة الأنعام، لما أحل الله لنا بهيمة الأنعام، فقاعدة المسكوت عنه تنطبق على ما هو من جنس الأنعام أو ما على شاكلته، أي الحيوانات التي لها نفس خصائص الأنعام ولكنها ليست من البهيمة.
وما استثنى سبحانه من البهيمة وحرمها، هي ما ذكرنا سابقا وأتى تحريمه في آيات أخرى (الميتة والدم ولحم الخنزير.....) أي (الأصناف العشرة).
قبل أن نتمم، ولكي نفهم بدقة، لا بأس من التعرف على الأنعام وبهيمتها:
فما هي بهيمة الأنعام؟
الأنعام بشكل عام هي الدواب الأليفة التي تتعايش مع الإنسان وتتآلف معه، لقوله تعالى:
ولتدبر بسيط للآيتين، نستنتج أن الأنعام تنقسم إلى قسمين:
- تلك التي تذبح وتُأكل وهي التي سماها سُبحانه وتعالى «بهيمة الأنعام»، والتي يحل لنا أكل لحومها وشرب ألبانها ولباس جلودها وصوفها.
- وتلك التي نستعملها لمآرب أخرى كالخيل والحمير والبغال.
الأمر لا يحتاج إلى أهل علم وأهل خبرة وروايات وحكايات، لأن هذه أحكام ويجب أن يفهمها الإنسان البسيط العامي قبل العالم والفقيه.
قبل أن نتمم، لا بأس أن نشير إلى أمر مهم سوف يُذهل أنصار نظرية التطور ولو علمه داروين لربما أسلم، وهذا الأمر هو استنباط محض من القرآن الكريم الذي قال :
«ذللناها» هي كلمة فُسرت ب«سخرناها»، وطبعا هذا التفسير ليس جيدا على الأقل، ونحن دائما عندما نرد تفسيرا، فنعزوه إلى مستوى السقف المعرفي لدى المفسرين، ولا نحملهم ما لا طاقة لهم به.
ف«ذللناها» من الإذلال، وأن تذلل حيوانا هو أن تنزع عنه تلك الطبيعة الفطرية وهي عدم الألفة، أي تجعله أليفا، والإذلال ليس هو الترويض، فالكلب والأسد والنمر حيوانات تُروض، ولكن يُمكن أن ترجع إلى طبيعتها الغريزية، وأما الإذلال فهو تطويع إلهي لهذه الحيوانات بشكل نهائي، أي من مرحلة الوحشية إلى مرحلة التآلف.
ولذلك فالقرآن لديه ثلاث مصطلحات للتعبير عن الحيوانات التي بالمناسبة هي مصطلح مستحدث وليس مصطلحا قرآنيا (ولي في هذا الموضوع كلام خاص منشور على الموقع على شكل حلقات تتكلم عن المصطلحات القرآنية الصرفة).
هذه المصطلحات هي : الدواب والوحوش والأنعام.
فالأنعام هي وحوش ذللها الله تعالى وأصبحت أليفة، والدواب هو مصطلح يجمع بين المصطلحين، أي هو ما يُعرف الآن بالحيوانات التي تدب على الأرض، وتدخل فيها الطيور والحشرات.
كانت هذا فقط إضافة مهمة لما نحن بصدد قوله بخصوص الأنعام.
بقي لنا أمر واحد لكي نقفل هذه الدائرة وهي ما يدخل في بهيمة الأنعام، وما تصلح للذبح والأكل.
فهنا تأتي الآية 6 من سورة الزمر : وَأَنزَلَ لَكُم مِّنَ ٱلْأَنْعَٰمِ ثَمَٰنِيَةَ أَزْوَٰجٍ
ثم هناك الآية 143 من سورة الأنعام (أنظروا السورة تتكلم عن التفاصيل التي نريد أن نعرف عنها، يكفي تدبر الآيات بعقل ومنطق سليمين) :
وهذه الآيتين جاءتا ضمن آيات تتكلم عن عادات الجاهلية في الذبح والأكل، وأتى القرآن ليمحو هذه العادات، وفي هذا السياق، حدد الله أصناف بهيمة الأنعام بطريقة بسيطة فهم بها الأولون ببساطة وسار على إثرهم من بعدهم أنها هي: الضأن أي الغنم والبقر والماعز والإبل.
وبعد هذه الآيات أتت مباشرة آية المحرمات من الأكل (الميتة والدم و.....)
وهذا هو التناسق القرآني، الذي لا يحتاج إلا إلى تطبيق القاعدة الذهبية لتدبر القرآن الكريم والتي هجرها المسلمون للأسف إلا من رحم ربي، «القرآن يفسر بعضه بعضا».
ملحوظة:
هنا لابد من التذكير أن هذه أربعة أصناف بذكورها وإناثها، وليست أربع أنعام فقط كما يفهم البعض ظنا!! فمثلا في الغنم يدخل كل ما يشبهه في الخصائص كحيوان اللاما مثلا في أمريكا الجنوبية، وفي البقر نجد الجاموس مثلا، وهكذا دواليك، فبحسب المنطقة يتغير شكل هذه البهائم ولكن يبقى نفس النوع.
بقي لنا أن نجيب عن تساؤل منطقي، يمكن أن يسأله السائل، وهو :
لماذا ذكر الله تعالى الخنزير صراحة باللفظ دون حيوانات أخرى؟
الجواب بكل بساطة لأن الخنزير من بهيمة الأنعام، وهو مازال كذلك في البلاد الغير مسلمة.
الخلاصة، أن بهيمة الأنعام هي التي خلقها الله من أجل استهلاك لحومها، فهي الدائرة المسموحة.
هذا فيما يخص البر، أما البحر فهناك الآية القرآنية التي تغنينا عن أي قول وهي :
فكل طعام البحر حلال.
وهنا نشير إلى حديث النبي ﷺ عن البحر : « هو الطهور ماؤه، الحل ميتته » ليس تشريعا جديدا فهو اجتهاد نبوي في الفهم حيث أن الأسماك وغيرها من الحيوانات البحرية، لا يمكن أن تُذبح فمن الطبيعي أن تؤكل بعد موتها، وبالتالي قوله هو توضيح لمن يحتاج إلى توضيح.
وأما متى يمكن أن يحل لنا أكل ما حرم ربنا علينا؟ فهو عند الاضطرار لقوله تعالى :
وهنا لابد أن نوضح هذه الآية وخلافا لما قرأته في بعض التفسيرات، عن معنى «غير باغ» ومعنى «غير عاد»، والتي تقول أنها البغي والتعدي على الغير بقطع الطريق عنهم !! فلا أدري ما علاقة هذا بذاك؟
البغي لغة هو تجاوز الحد، وبحسب السياق يجب أن يُفهم المعنى، هنا «غير باغ» أي بدون تجاوز الحد في التهام الأطعمة المحرمة، فالاضطرار هو أن تكون في حاجة ملحة مثل أن تأكل مخافة الموت، ولذلك حين يأكل المضطر فيجب أن يأخذ قسطه الكافي لقمع الجوع وليس الأكل لحد التخمة، وهنا يصبح التعدي على النفس، وهو المقصود ب«ولا عاد»، لأن المبالغة في أكل الحرام هو تعد على النفس في استهلاك ما يضرها.
كما أن الآية الأخرى التي تتكلم عن الاضطرار:
والمخمصة هي المجاعة، وفي هذه الحالة يجوز أكل الطعام المحرم لأن في ذلك حفظ للنفس، ومع هذا فهناك شرط عدم الميل إلى الإثم، أي عدم استحلال ما يتم أكله، أي بعد انقضاء المجاعة، يجب استحرام ما تم أكله وعدم الرجوع إليه... والله أعلم..
نأتي الآن إلى السؤال المهم الذي يخلق الإشكال الموجود، وهو عن باقي الدواب الموجودة، وهل هي محرمة شرعا، او أن سكوت الشرع عنها إباحة؟
مبدئيا، مالم يحرمه الله تعالى وهو المختص بالتحريم، فلا يمكن أن نحرمه بشكل مباشر، وكل ما وردنا عن النبي ﷺ في النهي عن أكل بعض الدواب أو كراهية بعض آخر، إنما هو اجتهاد نبوي بناء على حكمته ﷺ إما في فهم التنزيل الحكيم وقياسا عليه، أو بناء على ذوق شخصي، أو عرف سائد.
وبالتالي يمكن أن نقتدي به في منهجه في النهي عن أكل لحوم بعض الدواب التي نراها غير صالحة للاستهلاك، أو نسمح ببعضها إن لم يكن هناك مانع صحي.
ولكن يبقى دائما الاحتياط هو الالتزام بالدائرة التي حددها الله تعالى بخصوص لحوم الحيوانات وهي:
(أحلت لكم بهيمة الأنعام) و (أُحِلَّ لَكُمْ صَيْدُ ٱلْبَحْرِ وَطَعَامُهُ)، ثم استثناء ما حرم الله علينا أكله، وهو ما جاء في آيات تحريم الأطعمة.
ما عدا ذلك فليس قابلا للتفصيل لأنه ليس معدا للأكل، ولكنه في نفس الوقت ليس حراما، بل يمكن أن يدخل في دائرة النواهي بناء على اجتهاد بشري في فهم التنزيل الحكيم ومؤسسا على أسباب صحية علمية، وهو ما فعله النبي ﷺ بنهيه عن أكل بعض أنواع الدواب.
لكي نفسر ذلك، سوف نجزأ السؤال السابق: هل يحل أكل لحوم باقي الدواب التي لم يتم ذكرها قرآنيا؟ إلى أسئلة لكي نجيب عنها منفصلة بحول الله بناء على تدبر آيات تحريم الأطعمة.
1. هل يجوز أكل لحوم الحمير والأحصنة والبغال وغيرها من نفس الصنف؟
اتفق السلف على تحريم لحوم الحمير والبغال واختلفوا في الأحصنة.
ولكن أكثر المالكية والحنفية بل وابن عباس وغيرهم، كلهم نادوا بكراهيتها، وذلك طبقا لآية :
فهذه أنعام خلقها الله للركوب والزينة ونقل الأغراض الثقيلة.
وهذا هو القول السليم، وهذا ما شرحناه ووضحناه سابقا.
أولا لأن التحريم وكما قلنا اختصاص إلهي، وما روي عن النبي ﷺ إن صح يدخل في دائرة النواهي.
وأما إباحة الأحصنة نسبة إلى حديث أو اكثر، فهي روايات غير مرفوعة قولا إلى النبي ﷺ.
ولو كان حديثا، فلماذا لم يعتمده لا أبو حنيفة ولا مالك !!، فيبقى الأمر بالتالي اجتهادا للنبي ﷺ وفق ملابسات معينة وظروف لا نعلمها.
وأما السؤال الذي يطرح نفسه، لماذا سيستثني الرسول ﷺ الحصان فقط؟ وما الفرق بين الحصان والبغل والحمار؟ ولماذا الخيل بالذات ونحن نعلم أنها تُستعمل في الجهاد والتنقل فدورها لإذن أهم من البغال والحمير !!
ثم أن اختلاف الأئمة الأربعة في تحريمها أو كراهيتها، دليل على أن الأمر ليس محسوما، إضافة إلى أن هناك أحاديث مختلفة، متناقضة فيما بينها، بغض النظر عن صحة سندها، ولذلك وفي رأيي، يجب أن تكون الآراء مطعمة بالبراهين والأدلة النقلية والعقلية.
إذاً بعيدا عن ثقافة الرواية، ولفك الاختلاف بين السلف والخلف، فنحن نحاول دائما التوفيق بين كل الآراء بقدر المستطاع، ولكن في نفس الوقت، نُغلِّب الآيات القرآنية، ثم الاستنباط العلمي، يكفي أن نشير إلى أن المسألة في نهاية الأمر، هي خاضعة لمسألة الظرفية الاقتصادية والاجتماعية، والتي يمكن أن تحكم على استهلاك هذا النوع من اللحوم، فكما قلنا، أن الخيل والحمير والبغال هي مبدئيا ليست للأكل لأنها ليست ضمن بهيمة الأنعام.
وأعتقد أن حديث النهي عن لحوم الحمر الأهلية، إن صح فهو يدل على أنه يذهب في نفس المنحى، أي نهي الكراهية، وأما إباحة الفقهاء للحوم الحمر الوحشية لأن الحديث لم يذكرها، فهذا استدلال ضعيف، فلا فرق في نهاية الأمر، بل أن تلك المخططة بالأبيض والأسود، هي تنتمي علميا فيما أعتقد إلى عائلة الأحصنة فهي خيل وحشية وليست حمير وحشية !!
على العموم هذا التخبط لا معنى له، وتبقى القاعدة هي كراهية أكل لحوم الخيل والبغال والحمير وكل ما على شاكلتها، ولكن يبقى استهلاكها رهينا بحسب الأحوال الاقتصادية، فإذا توفر لحم الحصان مثلا أو حتى لحم الحمار في منطقة استعصى فيها الحصول على لحوم بهيمة الأنعام، وكانت الحاجة ملحة، فأعتقد أن هنا تطبق قاعدة «الضرورات تفيد المحظورات»، مادامت هذه الأنعام ليست محرمة قطعا.
وينطبق هذا الكلام على أنواع أخرى من الحيوانات الأليفة مثل الظباء وما شابهها.
لأن الظباء حيوانات عاشبة وليس مفترسة فيمكن إباحة أكلها للضرورة ولو أنها لم تُخلق لذلك، فكما قلنا إن بهيمة الأنعام هي التي أُحلت لنا للأكل، وما دونها ليست للأكل إلا في حالة الضرورة.
ولا ننسى أن نضيف أيضا عامل الضرر الذي يمكن أن يثبته العلم جراء أكل هذه الأنواع، وهذا للاستئناس طبعا.
وأما الاضطرار لحفظ الأرواح، فيجوز أكل أي لحم كان ولو كان محرما كما أتى ذكر ذلك في الآيات القرآنية السابق ذكرها.
وهذا هو الجواب إذن، عن السؤال السابق..
سؤال : هل يجوز أكل لحوم الأسود والنمور والكلاب والقطط وغيرها من نفس الصنف؟
هذه الحيوانات كلها تُسمى السباع، والسبع في لغة العرب هو كل ذي ناب أو مخلب، وقد جاء أيضا في الحديث النبويّ، فالناب والمخلب لهما تقريبا نفس الدور، الجرح والتقطيع.
بشكل عام السبع كل ما يفترس الإنسان أو الحيوان.
هنا نقول كالعادة، أن الحديث النبوي إن صح هو اجتهاد نبوي، وليس تشريعا جديدا، وهذا ما نثبت دائما في قضايا مشابهة.
فإضافة إلى أن السباع هي ليست من بهيمة الأنعام، وبالتالي لا يجوز أكلها، فإذا أخذنا الآية 3 من سورة المائدة، التي ذكر فيها تحريم الذبيحة غير الشرعية، وخصوصا جملة «وَمَا أَكَلَ السَّبُعُ»، ففيها تحريم ضمني لأكل السباع بكل أنواعها رغم عدم ورود ذلك بشكل مباشر.
فإذا كان محرما أكل الذبيحة التي أكلها السبع، أي أكل منها أو قتلها بُغية أكلها، فمن الطبيعي أن يكون أكل السبع نفسه حرام، لأنه في رأيي ذكر هذه الحالة، فيها إشارة إلى عدم صلاحية اللحم الذي تمسه السباع، ولذلك ذكرت هذه الحالة منفردة، والله أعلم..
والأحاديث النبوية الواردة بخصوص النهي عن أكل السباع تعضد قولنا، والنبي ﷺ نهى عن أكلها استنادا في الغالب إلى ما استنبط من القرآن الكريم.
وماذا عن الضباع ؟
ذكرنا هذا النوع من الحيوانات منفردا، لكونه استثني من السباع كما جاء في الفقه الموروث والذي يقول بإباحة أكلها !! نسبة إلى بعض الأحاديث التي أراها شاذة كون هذه الحيوانات هي من السباع ومن ذوي الناب أي مفترسة، وهذا ما يعارض أحاديث أخرى !! ثم أنها تأكل الميتة والجيف، ولا أدري ما هذا اللغط؟
فالجواب هو أن الضباع لا يجوز أكلها لأنها من السباع وأيضا لأنها تتغذى على الخبائث.
نأتي الآن إلى السؤال الموالي الذي يخص صنفا آخر: هل يجوز أكل الطيور بجميع أصنافها؟
فالجواب عن الشق الأول، الخاص بالسباع من الطيور أي كل طير ذي مخلب، كالصقور والنسور والبوم وكل من يصيد بمخلبه ويفترس أو ما تُسمى بالطيور الجارحة، كل هذه الأصناف تدخل في السباع، أكلها لا يجوز وقد فصلنا في هذا.
وأما الشق الثاني، وهي الأصناف المسموح أكلها من دواجن أي الدجاج والطير الذي يأكل الحب ولا يفترس اللحوم، كالبط والإوز وغيرها فهذه مباحة، ولكن كيف ومن أين استقينا ذلك؟
كما قلنا إن الأصل في الأشياء هو الإباحة، ومن تم فالطيور الداجنة هي مباحة، ما لم يتم تحريمها، ولكننا قلنا كذلك أن هذا المبدأ ليس صحيحا بشكل مطلق خصوصا فيما يخص قضيتنا حول الاكل المباح والأكل المحرم.
بالنسبة للأنعام، قلنا ان الدائرة التي ننطلق منها لتطبيق مبدأ الإباحة هي الأصل، هي دائرة بهيمة الأنعام وليس الأنعام كلها، وهنا الفيصل في الأمر، وبالتالي كل ما أضيف من إباحة لما هو خارج عن الدائرة اعتمادا على وجود حديث نبوي يجيزه أو غياب نص آخر يحرمه، ليس دليلا في حد ذاته، ولذلك من الواجب معرفة الأقرب إلى الصواب.
في رأيي الفيصل في هذه القضية يمكن استنباطه من الآية الكريمة: «وَلَحْمِ طَيْرٍ مِّمَّا يَشْتَهُونَ» ، وهذا في نظري إشارة قوية للإباحة، تماما كما قال من قبلها في الآية : «وَفَٰكِهَةٍ مِّمَّا يَتَخَيَّرُونَ»
فالفاكهة هي حلال، ولحم الطيور حلال، وهذا هو الأصل، وأما الاستثناء فهو ما ذكرناه آنفا، من السباع، أي ما له مخلب، ولا يجوز أكله، ولكن يبقى التحريم غير وارد هنا، فهو نهي عن أكل هذا النوع من الطيور.
وهذا هو جوابنا عن السؤال المطروح حول لحوم الطيور.
نأتي الآن إلى السؤال الموالي:
هل يجوز أكل الجراد، وهل يجوز أكل الحشرات بشكل عام؟
بالنسبة للجراد، فقد أبيح أكله زمن النبي ﷺ، والحديث: "أحلت لنا ميتتان ودمان: السمك والجراد، والكبد والطحال" ثم حديث : غَزَوْنَا مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَبْعَ غَزَوَاتٍ أَوْ سِتًّا، كُنَّا نَأْكُلُ مَعَهُ الجَرَادَ "، ولو أن هناك حديثا آخر أو أحاديث روي فيها عنه ﷺ أنه لم يجزه ولم يحرمه.
في رأينا أن كل هذه الأحاديث من الصعب التوفيق بينها بغض النظر عن صحة سندها أم لا، فالطبيعي ألا يُحرمها النبي بدون نص قرآني، وألا يجيزها لأنها ليست مباحة بشكل مباشر، فسكت عن ذلك.
وأعتقد أن الفصل في الأمر، هو أن الاضطرار سيد الموقف، فعندما ذُكر أن أكل الجراد تم خلال الغزوات، فمعنى ذلك أن أكل الجراد كان اضطرارا لشُح الأكل في تلك الظروف، وحتى في العصور المتأخرة أيام القحط والجوع فقد كان معروفا أن الناس يأكلون الجراد، وهو استثناء لكون هذا المخلوق يتغذى على النباتات والزروع، فليس فيه ضرر، ولكنه ليس بغذاء مستحب، وخصوصا في زمننا هذا الذي تكثر فيه المبيدات الحشرية للقضاء على هذا المخلوق الذي يبيد الزرع إبادة تامة.
فالفيصل الآن هو للعلم، فهو الحاسم في إمكانية استهلاكها أم لا.
أما الحشرات بصفة عامة، فقد حرمتها المذاهب الفقهية ما عدا المالكية، ودليلهم أنها من الخبائث، وأما المالكية فيستدلون بالآية القرآنية:
وأما قولنا فإننا بين الرأيين، فبالنسبة لتحريمها كونها من الخبائث، فهذا لا يستقيم، فقد قلنا من قبل، أن هذا ليس دليلا لا علميا ولا شرعيا، فكل حرام خبيث، وليس كل خبيث حرام، كما أن كل حلال هو طيب، وليس كل ما هو طيب فهو بالضرورة حلال، فمن يشرب الخمر يستطيبه، وهناك من لا يطيق حتى رائحته مثلي أنا شخصيا، ولكنه يبقى حراما، وهذه مسألة ذوقية بالأساس.
وأما بالنسبة للآية، فلا يُستدل بها حصريا، لأنها لم تذكر الذبائح غير الشرعية، وهناك آية أخرى حرمتها، فالاستدلال هنا ناقص، ثم أن عدم تحريمها لا ينفي النهي عنها لسبب أو لآخر.
وقد قلنا من قبل ونكرر، أن النبي ﷺ كان يجتهد في فهم التنزيل الحكيم، وينهى عن أمور ويسكت عن أخرى بحسب الظروف وبحسب رؤيته للأمور.
وأما سكوته عن شيء فهو ضمنيا تركه للحكم عليه بناء على معلومات أخرى إما صحية أو غيرها.
وهذا ما أثار جدلا في الآونة الأخيرة بين المتخصصين بالعلوم وبين المتخصصين بالفقه، واتجه اتجاها منفلتا، كان الرشاد والحكمة فيه غائبين، ونحن ندعو إلى تحكيم العقل وتجنب التعصب للآراء وذلك بالتوفيق بين النصوص من جهة وبين العلم والعقل من جهة أخرى.
فالحشرات فيها القذرة والضارة وفيها غير ذلك، بل أن خير طعام والذي فيه شفاء للناس، وهو العسل يخرج من بطون حشرات وهي النحل.
ولكن هناك حشرات لا تجدها إلا حول الأزبال والقاذورات، مثل الذباب والصراصير وغيرها، وصحيا هي غير قابلة للأكل، ولو أن بعض الشعوب تأكلها وذاك شأنها.
وهنا يجب أن نفرق بين استهلاك ما يُستخلص من بعضها كالملونات البيولوجية وبين تناولها مباشرة، ولذلك نرى أن الغرض من عدم تخصيصها بالتحريم، أو من أسباب ذلك هو ترك إمكانية استخدامها في أمور طبية وعلاجية، واستخلاص مواد يمكن استعمالها لنفس الغرض.
الخلاصة، أن الحشرات في مجملها قذرة وخبيثة ولا تصلح للاستهلاك والعلم هو الذي يفصل في ذلك، وحتى الغير قذر منها كالنحل مثلا لا يجوز أكله ليس لخبثه بل لأن الله خلقه لنشرب العسل الذي يخرج من بطنه.. والله أعلم.
هل يجوز أكل الحلزون؟
الحلزون فيه البري وفيه البحري، وليس هناك حديث نبوي تطرق له.
فأما الصنف البحري فهو مباح ويدخل في طعام البحر.
وأما الصنف البري منه فقد اختلف الأئمة في جواز أكله، فجميع المذاهب لا تبيحه، ما عدا المالكية فتجيزه شرط تذكيته فيُسمِّي اللهَ عند وخزه بالشوك أو غرزه بالإبر أو بسلقه أو شَيِّه حتى يموت، ويُلحِقونه بالجراد، ولا أعلم كيف يمكن تذكية الحلزونات التي أكبرها لا يتعدى إبهام الأصبع !!
ويبقى هذا اجتهادا فقهيا ظرفيا لا يلزمنا، وأما قولنا نحن، ففي سكوت الشرع عنه، فالإباحة هي الأصل، وجواز أكله يرجع إلى انتفاء الضرر من ذلك، وهو ما ثبت علميا، فلا ضرر في أكله بل فيه منافع كثيرة.
هل يجوز أكل الضب أو الزواحف بشتى أنواعها أم بعضها؟
الضب كان يُستهلك في عهد الرسول ﷺ، وكان محببا لدى عمر بن الخطاب، ولكن النبي ﷺ كان يكرهه ولكنه لم ينهى عن أكله.
وهذا راجع إلى ذوق النبي ﷺ الذي لم يكن يستطيب بعض ما يأكل قومه، ولكنه لا يستطيع لا التحريم ولا النهي عما لا يجد له أصلا في القرآن الكريم.
وبالتالي فحكم الزواحف بشكل عام، هو كما نقول ونكرر، أنها ليست للأكل، ولكن الضرورات تبيح المحظورات، فلا يأكل منها المضطر إلا ما ثبت علميا أنه يضر ويؤدي إلى التهلكة.
وهذا المبدأ الذي يجب أن نسير عليه في كل مالم نتطرق له من أصناف الحيوانات البرية من التي تدب على الأرض أو تطير في السماء، فما حرم الله عز وجل منها فهي حرام، وما لم يحرم فهي مباحة للمضطر مالم يثبت ضررها المؤدي إلى الأمراض أو إلى الموت.
ما يجوز أكله من البحر؟
كل طعام البحر حلال بنص القرآن الكريم.
وليس في هذا ما نفصل أو نستثني، إلا إذا ثبت عليما أن صنفا معينا لا يصح أكله ربما لأنه سام أو لسبب آخر.
نأتي الآن إلى السؤال الذي حير وما زال يحير المسلمين الذين يستقرون في بلاد غير المسلمين، أو الذين يقصدونها للسياحة أو لغرض آخر، وهو:
هل يجوز أكل الطعام الجاهز في غير بلاد المسلمين؟
أولا يجب أن نتسلح بالآية القرآنية التي تعتبر محور الجواب عن هذا السؤال وهي قوله تعالى :
الآية توضح بشكل قطعي أن الأكل لا يجوز لما لم يذكر إسم الله عليه، وطبعا هنا يتكلم سبحانه عن الذبائح من بهيمة الأنعام، فهي التي تُذبح.
والشاهد على قولنا (فقط لمن يريد دليلا من القرآن على أن المقصود من الأكل هي الذبائح)، هو قوله تعالى :
والتوفيق بين هذه الآية والآية التي استشهدنا بها من قبل، يحتم علينا أن نفهم أن أهل الكتاب يذكرون اسم الله على ذبائحهم، ومن هذا المنطلق كان طعامهم حل لنا كمسلمين.
وهذا ما ذهب إليه السلف من الأئمة والعلماء.
غير أننا الآن أمام إشكال آخر، وهو أن أهل الكتاب يومها ليسوا أهل الكتاب الآن !!
فالدول الغير مسلمة، هي دول علمانية، حتى التي تحتوي على كنائس، فهي لا تطبق أحكام المسيحية وبالخصوص ذبائحها فلا يُذكر في الغالب إسم الله عليها.
وعلى هذا الأساس، من الصعب تطبيق آية «... وَطَعَامُ ٱلَّذِينَ أُوتُوا۟ ٱلْكِتَٰبَ حِلٌّ لَّكُمْ... »
وبالتالي ليس من السهل الإجابة عن هذا السؤال، ولكننا سنقول رأينا بناء على تجميع آراء السلف وبناء على فهمنا لمقاصد الإسلام في تحريم ما لم يُذكر إسم الله عليه.
فالرأي الأول يرى في عدم جواز الأكل من ذبائح غير المسلمين إلا إذا تم التأكد من أن اسم الله قد ذُكر عليه، وهذا من الصعب التحقق منه، فلا أحد يستطيع أن يعرف كيف تم الذبح.
وأما الرأي الثاني فيرى أن أكل طعام غير المسلمين جائز، واستدلوا بما روي عن النبي ﷺ أنه سمح بأكل الطعام الذي ينتج عن ذبيحة يُشك في أنه تم ذكر اسم الله عليها، ويبقى الحديث ظنيا وما دام لم يأخذ به جمهور العلماء فهو مشكوك فيه.
أما الاستدلال الثاني، فهو ما جاء في الآية الكريمة :
فهذه الآية يُفهم منها أنه يكفي ذكر اسم الله بعد موت الحيوان المراد أكله فيصبح حلالا.
ولكني شخصيا لي رأي في هذه المسألة:
فالآية تتكلم عن حالة الصيد، فهذا استثناء لما يصطاد من الطيور أو بعض الحيوانات مثل الأرانب، ولا يجوز التعميم على بهيمة الأنعام التي اشترط سبحانه وتعالى أن يُذكر اسم الله عليها لتصبح حلالا.
وفي الملحق التالي سوف نشرح بالتفصيل هذه الآية، ونجيب فيها عن سؤال :
هل طعام صيد البر حلال ؟؟
ملحق:
هل طعام الصيد حلال ؟؟
هناك آية قرآنية يمكن أن نعتبرها المرجع الرئيسي في هذه القضية ومنها يمكن استنباط حكم أكل طعام صيد البر، وهي قوله تعالى :
ماذا يقول الفقه الموروث في هذه القضية ؟
الذي استقر عليه جمهور السلف أن الصيد إذا لم يمت بالسهم أو غيره يجب ذبحه وذكر اسم الله عليه، وإذا مات به فيجب أن يكون الصياد قد ذكر اسم الله عليه قبل رميه، فيُصبح بذلك حلالا.
وهذه الفتوى مستنبطة من بعض الأحاديث النبوية التي وردت بخصوص الموضوع.
أما الآية فيُفهم منها أنه يكفي ذكر اسم الله تعالى، ولم يتم تحديد هل يكون ذلك قبل أو بعد موت الحيوان المصطاد المراد أكله، ولكن احتياطا يُفضل أن يذكر اسم الله قبل ولِمَ لا فعل ذلك أيضا بعد الأكل وأثناءه.
تفصيل آخر في الآية، وهو أن الجوارح التي تأتي بالطريدة يجب أن تكون «مُعلَّمَة» أي بلغة العصر مروضة بحيث أنها لا تأكل من الطريدة وتُرجعها للصياد كما وجدتها، وإلا أصبحت محرمة.
أما رأيي بخصوص هذه القضية، هي أن الصيد يجب أن يُذبح ويُذكر اسم الله عليه قبل أكله، خصوصا إذا كان الصيد يخص حيوانا كبيرا مثل الظبي، لأنه في نظري يجب أن يتم إخراج الدم من الحيوان، وهذا في نظري من فوائد الذبح، وإلا لماذا تم تحريم المنخنقة (التي ماتت خنقا) والموقوذة (التي ماتت مضروبة) والمتردية (التي ماتت من جراء سقوطها من مكان عال) والنطيحة (التي ماتت جراء تناطحها مع حيوان آخر)، فهذه الأصناف كلها ماتت نفس ميتة المقتولة بالصيد، فلماذا حرمها الله تعالى؟
فطالما لم يتم ذبحها قبل موتها فهي محرمة، ولا أرى فرقا بين الذبح والقتل إلا إهراق الدم.
وهناك حديث نبوي نستأنس به في هذه الحالة هي ما روي عن النبي ﷺ :
« ما أنْهَرَ الدَّمَ وذُكِرَ اسْمُ اللَّهِ عليه فكُلْ..»
وقياسا على ذلك، أرى أنه لابد للصيد أن يُذبح قبل الأكل، وهذا احتياطا وااتقاءً للشبهة، والله أعلم..
الخلاصة:
بصفة عامة، الحيوانات التي لا تنتمي إلى الدائرة المشرعة التي أحل الله لنا وهي بهيمة الأنعام، ولحوم الطير الداجن أي غير المفترس، وأسماك البحر، هي ليست معدة أصلا للاستهلاك البشري، وأغلب الشعوب توصلت إلى أنها لا تصلح للأكل، تستهلك فقط بهيمة الأنعام، وقد استثنى منها الإسلام لحم الخنزير الذي حرمه الله تعالى.
وهذه الدواب التي لا تدخل في دائرة المباح ، هي ليست حرام شرعا، ولكن استهلاكها منهي عنه ليس بالضرورة لأجل عامل صحي أو لأنه خبيث، ولكن هنا يدخل عامل آخر هو ما يُسمى بالتوازن البيولوجي الذي يحفظ للطبيعة استمرارها وتوازنها، وهذا أيضا مطلب ديني يجب أن نضعه في الحسبان.
فبغض النظر عن استهلاك اللحوم، فهل يصح الانتفاع بجلود وأوبار وصوف الدواب غير الأنعام التي رخصها لنا سبحانه وتعالى في كتابه؟ خصوصا ما لا يوجد أي نص شرعي ينهى عن فعل ذلك؟
فمثلا هل يصح قتل الفيلة للانتفاع بعاجها؟ أو قتل الدببة أو الحيوانات ذات الفرو للانتفاع بوبرها؟ أو قتل التماسيح وغيرها للانتفاع بجلودها؟
أعتقد أنه لا يجوز ذلك، بل وتم حظره دوليا بقوانين تحترمها جل الدول، لأن في ذلك إفساد للطبيعة، وإخلال بتوازنها وذاك ما خلقه الله بقدر في هذه الأرض، وهو من السنن الطبيعية، التي إن نحن خرقناها، فسنتحمل نتائجها الوخيمة وهذا ما نراه على الدوام بحكم إفساد الإنسان للطبيعة بشتى الطرق والوسائل.
وأعتقد أن لهذا السبب نهى النبي ﷺ فيما روي عنه عن أكل النملة والنحلة والهدهد والصرد، لأنها تساهم في التوازن البيئي ليس إلا.
والله أعلم.
** الكاتب : وديع كيتان **
لمشاهدة حلقة اليوتيوب الخاصة بالموضوع :
شارك برأيك .. وتذكر قول الله سبحانه وتعالى ((ما يلفظ من قول الا لديه رقيب عتيد))