أي أن الله أرسل الرسل واحدا تلو الآخر بينهم فترة طالت أم قصرت.
أقسام التواتر:
ينقسم التواتر عادة إلى قسمين، فهناك تواتر القول وتواتر الفعل أو العمل.
ولكننا نرى أن هناك قسما آخر لم ينتبه إليه السلف وهو تواتر الحدث.
والحدث هو عمل في الماضي تم الإخبار عنه بعد وقوعه بزمن طال أم قصر.
وعادة الأحداث المتواترة تكون عادة أحداثا عظيمة ومهمة، وليس مجرد وقائع عادية.
وكمثال، الآية السابقة تتكلم عن تواتر أحداث بَعْثِ الرسل، كذلك نجد نزول الكتب السماوية وغيرها من الأحداث، وهي تدخل في هذا القسم لأنها أحداث عظيمة وغير عادية.
ونحن كمسلمين، ورغم أننا نؤمن بهذه الأحداث لورودها في القرآن الكريم، إلا أننا ندرس التواتر من وجهة نظر محايدة، لأن غايتنا في هذه الدراسة المباركة، ليس فقط الدوران في دائرة المسلمين بل يتعداهم إلى كل شعوب العالم، من أجل إثبات علمية التواتر العملي وأنه دليل عقلي قائم بذاته.
أما إذا أردنا أن نرتب أنواع التواتر من حيث قوة تواترها، فالتواتر العملي هو أقوى أنواع التواتر، ثم يليه تواتر الحدث، ثم التواتر القولي الذي يعتبر الأضعف من بين هذه الأنواع.
وكل هذه الأقسام يصح بها الاستدلال، ولكن بحسب طبيعة القضية التي نبحث فيها عن الدليل.
سنركز في هذه الدراسة المباركة على التواتر الفعلي، وهو الذي يهمنا في قضيتنا هذه، لارتباطه بالسنة النبوية الفعلية.
في حين سنشير إلى التواتر القولي من أجل المقارنة ولكي ندرك أهمية التواتر العملي وأين تكمن قوته.
التواتر القولي:
في الحقيقة، لم أجد أي تعريف للتواتر القولي لا من طرف المسلمين كانوا علماء أو فلاسفة أو مؤرخين، ولا من غيرهم.
وأما الفقهاء المسلمون فلاهتمامهم بالحديث النبوي وتقسيماته، فقد حصروا التواتر القولي فيما تواتر من روايات عن الرسول ﷺ، أي الحديث المتواتر.
والتعريف المتداول للحديث المتواتر هو : ما رواه عدد كثير تحيل العادة تواطؤهم على الكذب.
أو بصيغة أخرى: هو نقل جماعة عن جماعة يستحيل تواطؤهم على الكذب.
ولا نعرف من صاحب هذا التعريف، مع التذكير أن هناك تعريفات أخرى للمهتمين من أهل الحديث.
كتعريف ابن الصلاح الذي عرفه بأنه: الخبر الذي ينقله من يحصل العلم بصدقه ضرورة.
وبالنظر لهذه التعريفات، يظهر جليا الغموض والضبابية التي تعتري هذا المفهوم.
ناهيك عن أن تواتر القول فيه إشكالات عديدة نقلية وعقلية، ولا يمكن أن نتكلم عنه هنا بالتفصيل، ولكننا سنختصر ذلك في النقط التالية:
بالنسبة للجانب النقلي:
- اختلاف السلف في تعريف التواتر اصطلاحا.
- اختلافهم جول تحديد العدد الذي يتحقق به التواتر.
بدءا من ثلاثة وأربعة، ومرورا بالعشرة والأربعين إلى أن تجاوز السبعين، ثم إلى أكثر من ألف !!
- حدوث الإرسال بين الصحابة يقضي على مسألة التواتر.
وللتذكير، نعرف بالحديث المرسل، والذي لديه تعاريف كثيرة اخترت منها قول ابن القطان : "إن الإرسال رواية الرجل عمن لم يسمع منه": و قد اختلفوا في تصنيفه و الأخذ به فاعتبره البعض حديثا ضعيفا وآخرون اشترطوا أمورا أخرى للأخذ به.
لما سُئل أنس بن مالك بخصوص حديث هل سمعه مباشرة من الرسول ﷺ قال:
والله ما كل ما نحدثكم عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - سمعناه منه، ولكن لم يكن يكذب بعضنا بعضا... !!!
فالمعروف أن الصحابة كانوا يرسلون الحديث، وأكثرهم إرسالا وأشهرهم أبو هريرة.
وبالتالي ونظرا لهذه الإشكالات وغيرها، تفرق الأئمة والفقهاء والمحدثون بشأن الحديث المتواتر، وانقسموا إلى ثلاثة أقسام:
من يقر بنسبيته (ابن كثير والمناوي)، وقالوا إن ما يتواتر عند قوم يمكن ألا يتواتر
وندرته (ابن الصلاح والبلقيني والنووي).
وانعدامه (ابن حبان)
وهذا دليل آخر على بطلان من يقول بالإجماع ويصدق تلك المقولات من قبيل: أجمعت الامة واتفق أهل العلم، وأجمع السلف وغيرها من المقولات الكاذبة التي أصبحت مسلمات لدى المسلمين بجميع أطيافهم !!
أما من الجانب العقلي:
فإذا افترضنا أن تواتر الخبر حجة قطعية لدى المسلمين فهو سيكون كذلك حجة لدى أهل الكتاب فيما تواتر لديهم قولا !!!
وبالتالي سوف يصح لديهم كل ما توارثوه من نصوص الإنجيل والتوراة والتلمود وغيرها من الكتب التي ألفوها وجعلوها وحيا !!
فما تواتر لدى المسيحيين مثلا من عقيدة التثليث ومسألة صلب المسيح سيكون صحيحا تبعا لهذه الفرضية !! وهذا ما لا يمكن تصديقه، لأننا نعلم يقينا ووفق القرآن الكريم، أن التثليث كفر صريح، وأن المسيح لم يُصلب بل شُبه لهم.
كما أنه لو كان التواتر القولي حجة، لكان ما تواتر عند أهل السنة يجب أن يعترف به أهل الشيعة و العكس كذلك !!! وهذا ما لم يقع....
فدون إطالة، فما ذكرناه كافٍ لكي يدرك المتلقي عدم حجية التواتر القولي كدليل وبرهان، ولكن يبقى الخبر المتواتر هو أقوى درجة من خبر الآحاد لا أقل ولا أكثر.
لقد قمنا بهذه الخلاصة حول التواتر القولي، فقط من أجل أن يعرف بعض من يخلطونه مع التواتر العملي، وبالتالي يحكمون على هذا الأخير بنفس حكمهم على القولي، وهذا خلط منهجي قائم على جهل بقوة التواتر العملي وحجيته، وهذا ما سنبينه في الفقرة الموالية.
** الكاتب : وديع كيتان **
لمشاهدة حلقة اليوتيوب الخاصة بالموضوع :
شارك برأيك .. وتذكر قول الله سبحانه وتعالى ((ما يلفظ من قول الا لديه رقيب عتيد))