سنتعرض فيما يلي لشبهة معروفة يستعملها أدعياء السلفية وكل المفلسين فكريا الذين لا يفكرون إلا بعقول غيرهم هذا إن كانوا يفكرون أصلا، ثم يدعون ويزعمون أنهم يتبعون الرسول ﷺ في كل نبضاته وحركاته وكل ما تلفظ به !!!
هذه الشبهة تتعلق باستدلالهم بالآية القرآنية أو بالأحرى بجزء من آية قرآنية، لكي يفرضوا اتباع جميع ما وصلنا من أحاديث مروية في كتب الحديث، وهي قوله تعالى في الآية 7 من سورة الحشر:
وقبل أن أتطرق للشرح، ورد هذه الشبهة، أود أن أشير إلى أن هؤلاء لا يحتاجون لهذا الاستدلال، لأن الآيات التي تتكلم عن طاعة رسول الله كثيرة وتغنيهم عن الإتيان بهذه الآية !!!
وبما أنهم متخبطون، وبما أن الكلام العقلاني يحاصرهم، فهم يكثرون من الأدلة المصطنعة لكي يتعسفوا في رأيهم ويفرضوه على الأمة.
في رأيي، هذا راجع في الغالب لأنهم يعلمون مسبقا، وكما فسرنا في دراسة سابقة حول مفهوم طاعة الرسول من القرآن، أن الطاعة الملزمة هي طاعة الرسول ﷺ فيما بلغ به عن ربه، وما دون ذلك خاص بمن عاصر الرسول ﷺ، أما من لم يعاصره ونحن منهم غير معنيين بما وصلنا عنه، إلا بمقدار ما توافق مع كلام الله القرآن الكريم، وبمقدار ما صلح تطبيقه في الوقت الراهن.
وللأسف ستجد كثيرا من العوام ينقادون وراء هذه الشبهة جاهلين لمدلول هذه الجملة غير المكتملة، غير مدركين لعواقب التبعية العمياء.
قبل الشروع في دحض هذه الحجة، وجب أن نبين أن ما يقوم به هؤلاء، وما يسقط فيه الكثيرون سواء من المحسوبين على الفكر التقليدي السلفي، أو من الذين يوصفون بالقرآنيين أو بعض المنفلتين منهم ولا أعمم، حيث يتم الوقوع في فخ ما يسمى بالتعضية القرآنية، أي اجتزاء الكلام من داخل الآيات بتعسف ليوافق الاعتقادات السابقة.
مثل الذي يقتلع «ويل للمصلين» من الآية ويرميها في وجه خصمه.
ما معنى التعضية:
والتعضية أتت من مصطلح «عضين» وهو مصطلح قرآني بامتياز، يقول تعالى:
ٱلَّذِينَ جَعَلُوا۟ ٱلْقُرْءَانَ عِضِينَ﴿91﴾
وسبحان الله في الآية التي قبلها قال سبحانه:
كَمَآ أَنزَلْنَا عَلَى ٱلْمُقْتَسِمِينَ﴿90﴾
وكأن الله عز وجل يفسر القول بطريقته، فالتعضية والاقتسام تقريبا لهما نفس المعنى، أي التجزئة والتقسيم.
نقول اقتسم الإخوة الميراث فيما بينهم.
فالمقصود بالذين جعلوا القرآن عضين، أي من جزؤوه وقسَّموه وأصبحوا يؤمنون ببعض ويكفرون ببعض.
وأما التفسيرات التراثية فقد تاهت عن المعنى في هذه الآيات، فقد قالوا أن المقتسمين هم اليهود والنصارى الذين تحالفوا وأقسموا على مخالفة الأنبياء !!!! فما علاقة لفظ أقسم بلفظ اقتسم ؟
وما علاقة اليهود والنصارى بالقرآن ؟؟؟ هؤلاء لا يؤمنون به أصلا، فكيف سيجعلونه عضين ؟؟؟
هذه الآية تتكلم عن بعض المسلمين المؤمنين بالقرآن الذين فعلوا ذلك في مناسبات عدة، وقد حذرهم الله في قوله :
والآن هناك من يفعل نفس الشيء ويقتسم القرآن ويجعله عضين، ويقتلع الآية من السياق، أو عبارة من الآية ويستعملها لتوافق مزاجه وهواه.
وهذا ما فعله ويفعله خصوصا أهل الحديث الذين يستدلون بالآية أو جزء منها :
لكي يثبتوا طاعة النبي الأزلية والأبدية والغير مشروطة......
كان هذا فقط مدخلا، وفيما يلي التفسير المفصل للآية قيد الدرس.
مبدئيا :
إن تعبير ﴿ وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانتَهُوا ﴾ هو قبل كل شيء جزء من آية قرآنية، وليس حتى آية مستقلة، وبالتالي فلا يصح أن ينتزع من السياق الذي جاءت فيه الآية، كقولنا مثلا "ويل للمصلين" !!!
وهذا ما يُسمى بالتعضية وتكلمنا عليه سابقا.
من جهة أخرى، وحتى لو تسامحنا مع المغالطة الأولى، فلن نقبل بتجاوز العقل والمنطق بل واللغة، فحتى المعنى فقد زاغوا عنه، فلا أفهم كيف فهموا أن هناك أمر ونهي !! إنما المعنى هو العطاء (آتاكم) والمنع (نهي).
فالآية القرآنية الكاملة تقول :
رغم أن التفاسير القرآنية تقر بأن هذه الآية لها مناسبة نزول وهي خاصة بما يُفيئ الله على رسوله في حياته، فكانت تأتيه العطايا من لدن أهل القرى المجاورة، وهذا بنص الآية.
وما آتاكم الرسول:
فعل آتى يعني أعطى ومنح، نقول آتاه الله النعم... آتى الزكاة....
يقول تعالى:
إذن، «وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ»، أي ما أعطاكم الرسول فاقبلوه بدون مناقشة.
ماذا آتاهم الرسول؟ من الفيء لأن الله استهل الآية ب «مَّا أَفَاء اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ»
إذن من أين أتى ذلك التفسير الشاذ ما أمركم به الرسول.. ؟؟ !!
هذا ليس أمرا هذا عطاء !!!!
وما نهاكم عنه فانتهوا :
عماذا نهاكم ؟(عن الفيء) أي ما منعكم عنه، فانتهوا أي امتنعوا عن المطالبة بالفيء..
الذي يحز في نفسي أن ممن يسمون أنفسهم علماء وفقهاء ومن الذين البديهي أن يكونوا عارفين باللغة وبمسألة السياق وبمناسبة النزول، وهذا أضعف الإيمان، يفهمون هذا الكلام، ورغم ذلك فهم يستدلون بهذه الآية !!
وحتى التفسيرات التراثية في أغلبها تعضد ما نقول، فلا أعلم أي تعسف في التفسير اختار هؤلاء.. سوى الانتصار للرأي.
في الختام، فالواضح أن من يستدلون بهذه الآية هم متخبطون، لأن الكلام العقلاني يحاصرهم، فهم يضطرون لتكثير الأدلة المصطنعة حتى ولو كانت غير مقبولة لكي يتعسفوا في رأيهم ويفرضوه على العوام من المسلمين الذين لا يستطيعون مواجهتهم بالأدلة والحجج.
فليتق الله من يسمون أنفسهم علماء وفقهاء، والذين يحتجون بجملة قرآنية منزوعة قسرا من آية كريمة تتكلم عن شيء مختلف، ويتوقفوا بذلك عن التعضية القرآنية.
وليتوقف أيضا الببغاوات عن ترديد كلام يجهلون معناه، وليتقوا الله فيما تنطق ألسنتهم، العيب ليس في ألا نعلم، ولكن العيب في أن نعاند ونكابر ونمتنع عن التعلم وأخذ العلم.
رحم الله عبدا سمع فوعى.
** الكاتب : وديع كيتان **
لمشاهدة حلقة اليوتيوب الخاصة بالموضوع :
شارك برأيك .. وتذكر قول الله سبحانه وتعالى ((ما يلفظ من قول الا لديه رقيب عتيد))